الرئيسية / Uncategorized / رعاية الطلاب الموهوبين المعوزين اقتصادياً

رعاية الطلاب الموهوبين المعوزين اقتصادياً

د. أسامة محمد إبراهيم

أستاذ علم النفس التربوي (تربية الموهوبين) جامعة سوهاج

كثيرا ما تدعي المدارس أن الطلاب الموهوبين الذين تتم خدمتهم يمثلون جميع مجتمعات الطلاب المختلفة. ولكن البحوث تقدم صورة مختلفة تماماً. فالفروق بين الطلاب المحددين كموهوبين وغير المحددين كموهوبين أمست واضحة تماماً، فالإعداد تبدو غير متجانسة بين المجموعات التي تمثل السكان في كل مدينة حتى في العالم المتقدم. على سبيل المثال، أظهرت إحدى الدراسات في الولايات المتحدة في أحد المناطق التعليمة الحضرية النموذجية أن 8% فقط من الطلاب الذين تم تحديدهم كموهوبين يأتون من طبقات محرومة اقتصاديا، هذا على الرغم من أن هذه المجموعات تمثل 58% من فئة التلاميذ بتلك المدرسة، بالمقارنة إلى 81% من طلاب البيض والذين يشكلون ما يزيد قليلاً عن ثلث تلاميذ المدارس.

إن إيجاد برامج وفرص تعليمية تدعم الاحتياجات الخاصة للأطفال الموهوبين من خلفيات فقيرة يعد قيمة وضرورة، وتحديا في ذات الوقت. يجب مساعدة هؤلاء الأطفال الموهوبين على الحياة والتأقلم ضمن الطبقة المتوسطة في المجتمع. ويمكن من خلال تقديم البرامج والخدمات كسر دائرة الفقر في بيئات هؤلاء الأطفال من خلال التعليم ومساعدتهم على تكوين علاقات ذات معنى. إن الاستمرار في تجاهل الاختلافات بين الطلاب المنحدرين من بيئات فقيرة والطلبة من الطبقة المتوسطة، والاعتراف فقط بموهبة وقدرات طلاب المرحلة المتوسطة، لن يؤدي إلا إلى استمرار الفجوة بين الطلبة من خلفيات مختلفة وربما إلى فقد ثروات حقيقية.

المعاملة المتكافئة لغير المتكافئين

يعود السبب وراء هذه الفوارق موجودة إلى أن معظم المناطق التعليمية تحدد الطلاب الموهوبين باستخدام درجات اختبار معياري موحد وترشيحات المعلمين ودرجات التحصيل ونقاط القطع Cutoff Point. وهذه العملية غالباً ما تستبعد الموهوبين منخفضي التحصيل، والمنحدرين من بيئات مختلفة اقتصاديا، ومعظمهم غالبا ما يكونون من البيئات الفقيرة أو متدنية الدخل.

يحدث هذا عادة لأن الطلاب الذين يأتون من أسر ذات دخل منخفض لا تتوفر لهم نفس الفرص المتاحة للطلاب من الطبقة المتوسطة، في الوقت الذي تؤخذ الاختلافات البيئية في عمليات التعرف كأحد عوامل التعرف. نظرياً، يعامل جميع الطلاب في المدارس على قدم المساواة في فرص الترشح لخدمات الموهبة. لكن، كما قال فيليكس فرانكفورتر    “لا يوجد شيء غير متكافئ تماماً مثل المعاملة المتكافئة لغير المتكافئين“.

تعكس الممارسات السائدة في معظم المدارس قيم وعادات الطبقة المتوسطة، القائمة على معاملة جميع الطلاب في هذه المدارس على قدم المساواة، لكن المساواة هنا فعلياً هي مساواة غير عادلة أو منقوصة. فعندما تستخدم الأساليب التقليدية للتعرف على الطلاب الموهوبين، مثل استخدام أدوات معيارية موحدة وعينات الأداء، فإن النتائج عندئذ يمكن التنبؤ بها: وسوف تأتي أغلبية كبيرة من الطلاب الموهوبين من الطبقة المتوسطة. ولكن نظراً لأن “الأثر البيئي” لا يعتد به في عملية التعرف، فإن ما يتم التعرف عليه حقاً هو الفرصة، لا الموهبة.

ماذا يعني العوز أو الفقر للأطفال الموهوبين؟

يصاحب العوز أو الفقر العديد من القضايا الرئيسة التي تتصل بالصعوبات التي تعاني منها الأسر الفقيرة عند تحديد الموهوبين الذين هم أيضا محرومين اقتصاديا(Payne, 2005; Slocumb and Payne, 2000) . ومن بين هذه القضايا:

  • نقص اللغة
  • فهم سلوكيات الطبقة المتوسطة في المدرسة، بما في ذلك:
    • انعدام التوجه الخطي
    • صعوبة التلخيص
  • تجنب الصرامة الأكاديمية.

فيما يلي سنناقش كل مسألة من هذه المسائل فيما يتصل بتحديد الطلاب الموهوبين الذين يأتون من بيئات فقيرة:

نقص (أو ضعف) اللغة

غالباً ما يفتقر الطلاب الذين ينشؤون في أسر فقيرة إلى مهارات اللغة. وهذا الافتقار، على الأرجح، هو أحد الموانع الرئيسة في اجتيازهم إجراءات تحديد الموهوبين، ومن ثم نقص تمثيلهم في خدمات الموهوبين. فالأطفال الموهوبون عادة يا ينظر إليهم على أنهم يمتلكون مهارات لغوية عالية وقدرة على التعبير اللغوي السلس. ويتطلب الأداء بطريقة جيدة في العديد من الاختبارات المعيارية من الأطفال أن يكون لديهم عدد كبير من المفردات وفهما لبناء الجملة القياسي. وللأسف، فإنه منذ البداية، يتم إعداد الأطفال المنحدرين من بيئات فقيرة إلى الأداء بشكل سيئ في الاختبارات المعيارية. وقد أجرت هارت وريسلي (Hart & Risley, 1995)، دراسة واسعة حول اكتساب اللغة لدى الأطفال الصغار وقد تناولت الدراسة لغة الأطفال ابتداء من سن 11 شهرا وحتى سن ثلاث سنوات وأسرهم. وقسمت العينة إلى ثلاث مجموعات، وسجلت أنماط اللغة والتفاعلات بين البالغين مع أطفالهم وتم تحليلها. ويظهر جدول (1) النتائج الرئيسية:

 

الخبرات اللغوية لأطفال مرحلة ما قبل المدرسة في طبقة الرعاية الاجتماعية، والمتوسطة، والمهنية.

 

عدد الكلمات التي تسمع

كل ساعة

مقدار عدد الكلمات التي تسمع في الأسبوع

كلمات التشجيع مقابل كلمات الإحباط في الأسبوع

طبقة الرعاية الاجتماعية

616

62,000

500 vs. 1,100

الطبقة المتوسطة

1,251

125,000

1,200 vs. 700

الطبقة المهنية

2,153

215,000

3,200 vs. 500

 

 

أظهرت النتائج أن الفرق في التعرض لكمية اللغة كبيرة جدا. وعندما تم تحليل نوعية اللغة، أصبح التفاوت بين المجموعات الثلاث أكثر أهمية. فالأطفال ذوو الرعاية الاجتماعية في كثير من الأحيان يتعرضون إلى كلمات الإحباط أكثر بكثير من أطفال أسر الطبقة الوسطى أو المهنية. ويتشكل لديهم الشعور بالإحباط من كلمات مثل “لا”! “توقف”! “كفى!” أو “اسكت”! هذه الكلمات تخبر الطفل ما عليه القيام به؛ فهي لا تقل له “كيف” أو “لماذا”. وإذا كان الطفل لا يتلقى لغة يتضمن “ما، كيف، ولماذا”، فإن بنية السبب والنتيجة لن يتطور مطلقاً في الدماغ. وبدون بناء السبب والنتيجة، فإن الأطفال لن يطوروا مفهوم السببية المنطقية. والذي يجعل هذا ذا أهمية خاصة في التعرف على الأطفال الموهوبين المنحدرين من بيئات فقيرة أنهم غالباً ما تفتقرون إلى القدرة على التعبير عن أفكارهم، ومشاعرهم. بدلاً من ذلك، فهم يستخدمون عبارات قصيرة، وغالباً ما تكون لغة أمر ، وأنهم يجدون صعوبة في التعبير عن أسئلة بناء الجملة الصحيح. وغالباً ما تستخدمون لغة ضمنية بدلاً من اللغة الصريحة. وعندما تستخدم معهم لغة ضمنية، يجب أن يؤول المستمع المقصود مما قيل. هذا النموذج من الاتصال الذي يستخدمه الطلاب الفقراء، كثيرا ما يكون له نتائج سلبية للغاية نظراً لأن القواعد الخفية في الفقر تسهم في إخفاء القضايا الحقيقية.

 

فهم قواعد الطبقة المتوسطة في المدرسة

يعد فهم قواعد الطبقة المتوسطة أمرا ضرورياً للنجاح في المدارس. فأطفال الأسر الفقيرة لهم قواعدهم الخاصة، والتي تختلف عن قواعد الطبقة المتوسطة، مثلما الطبقة المتوسطة لها قواعد تختلف عن تلك التي لدى الأثرياء.

وكما هو مبين في الجدول (2)، هناك ثلاثة قوى محركة للفقراء، والطبقة المتوسطة، والأثرياء (Payne, 2005):

 

الجدول (2) القوى المحركة للطبقة الاجتماعية

الأثرياء

الطبقة المتوسطة

الطبقة الفقيرة

الارتباطات السياسية

العمل

البقاء

الارتباطات المالية

الانجاز

العلاقات

الارتباطات المجتمعية

المواد

التسلية

 

يعرف أفراد الطبقة الوسطى أنفسهم بواسطة العمل والإنجاز. فعند أول اجتماع مع شخص من الطبقة الوسطى، فإنه بعد تعرفه على اسم الشخص يكون سؤاله التالي، “وماذا تعمل؟” فالهوية والعمل تقريبا يصبحا مترادفين. يسعى أفراد الطبقة الوسطى جاهدة إلى المضي قدما، وتحقيق الارتقاء في المجتمع بالحصول على درجة أعلى وعلى السيارة، وتحسين مستوى السكن. وهم يحاولون تأمين مستقبلهم عن طريق الادخار والتأمين في حالة حدوث شيء غير متوقع.

أما الأسر الفقيرة فمختلفون تماما، فالبقاء على قيد الحياة هو الهدف الأساسي، ويمثل الغذاء والملبس والمأوى أعلى أولوياتها، والعلاقات الشخصية ضرورية للغاية لديهم. ويحتل الترفيه مكانة مهمة وآليه للتكيف لديهم؛ فالحياة صعبة، والناس يجب أن تمرح قليلاً. أما الأثرياء، المال متاح، وحالة الفرد في مركز الثروة تتحدد باتصالاته الاجتماعية، والمالية.

انعدام التوجه الخطي:

 يخلق الفقر أيضا وجهات نظر مختلفة مع الوقت. فالطبقة الوسطى موجهة نحو المستقبل بدرجة كبيرة؛ فهي موجهة بالأهداف لأن العمل والإنجاز يقودان كل شيء. الطبقة الوسطى خطية  linear. وفي الأسر الفقيرة مصر الفرد تحركه الأقدار والحظوظ. ويعيش الفقراء في الوقت الحاضر. وتوجه الأهداف والمستقبل يكون نادراً. والطلاب من بيئات فقيرة قد تفتقرون إلى الاتجاه الخطي.

ولذلك عند التعرف يجب مراعاة التالي:

  • قد لا يكون لدى الطلاب من بيئات فقيرة أهداف محددة. (ماذا يريد أن يكون عندما يكبر؟). يجب البحث عن الطلاب الذي بلوروا لأنفسهم أهدافا واعتنقوها، وأن نقدم لهم معينات لتوضيح وتفصيل أهدافهم.
  • قد لا تعرف الطلاب الموهوبين من بيئات فقيرة كيف تخططون. يجب أن نبحث عن الطلاب الذين يظهرون اهتماماً بالتخطيط، فقد تكونون من الموهوبين.
  • التسلسل مهارة صعبة لكثير من الطلاب المنحدرين من بيئات فقيرة، لأنهم يفتقرون إلى الاتجاه الخطي. التسلسل هو أيضا مهارة حاسمة في التخطيط. لذا يجب أن نبحث عن طلاب الفقراء الذين لديهم فهم للتسلسل بسرعة.

 

صعوبة في التجريد:

عالم الأسر الفقيرة هو عالم حسي ملموس وانفعالي. وفي المقابل، عالم المدرسة هو عالم لغوي مجرد. لذا، كثيرا ما يجد الطلاب من بيئات فقيرة صعوبة في فهم الأفكار والمفاهيم المجردة. ولأنهم يعيشون في الوقت الحاضر، فإنهم غالباً ما تكون لديهم فرص قليلة للتعرض للأشياء والخبرات التي يحصل عليها أطفال الطبقة الوسطى. فأطفال الطبقة المتوسطة يتعرض للإجازات؛ ويستمعون لأحاديث الآباء عن حسابات التوفير، والميزانيات، والجداول الزمنية، التأمين، ومجموعة أشياء أخرى مرتبطة بالإنجاز في أماكن العمل. وفي المقابل، لا يكبر الطلاب من بيئات فقيرة في جو أسري تحكمه أو تنظمه بناءات مثل التقاويم والجداول الزمنية، والإجازات، والرحلات إلى المتاحف أو إلى المسارح، أو قوائم خطط، والواجبات المنزلية المجدولة. وعندما يقترن انعدام الخبرة مع عدم وجود اللغة، يعاني الطلاب من أجل فهم العديد من المفاهيم التي تعرض في المدرسة. فقدرة الطلاب على فهم التشبيهات والاستعارات هي عنصر مهم في التفكير المجرد. وهي مهمة في مساعدة الطلاب على ترجمة المجرد إلى محسوس ومن ثم العودة إلى المجرد. ولأن الترفيه والعلاقات مهمة للطلاب من بيئات فقيرة فقد يدركون المفهوم إذا قام المعلم بعمل مقارنات باستخدام أشخاص مألوفين لديهم.

لذا عند البحث عن الأطفال الموهوبين في الأسر الفقيرة، يجب مراعاة ما يلي:

  • البحث عن الطلاب الذين يستخدمون اللغة التصويرية التي تعكس المقارنات بين أفراد من فئات مختلفة.
  • البحث عن الطلاب الذين يميزون أنماط في السلوك البشري، ولكن ليس بالضرورة أفكار.
  • البحث عن الطلاب الذين يطرحون أسئلة تركز على العلاقات.
  • البحث عن الطلاب الذين يمكنهم ربط تجاربهم الشخصية بمفاهيم مجردة، على الرغم من أن هذه المفاهيم قد تركز على الأسرة والأحياء بدلاً من الارتباطات ال أكثر تجريداً.

تجنب الصرامة الأكاديمية

لأن الترفيه مهم في البيئات الفقيرة، قد ينقل بعض الطلاب للمعلمين فكرة مفادها أن هؤلاء الطلاب لا يريدون أن يكونوا في البرامج التي لا تحتوي على متعة أو ترفيه. وقد يعبر الآباء حتى عن فكرة أنهم لا يريدون أطفالهم يعملون هذه الأعمال الشاقة. يجب أن تظهر المدارس للطلاب والآباء كيف أن الحصول على تعليم جيد يمكن أن يفيد الأسرة. ويجب أن تعمل المدارس على توصيل فكرة أن التعليم يهدف إلى تمكين الأطفال من مساعدة الأسرة والمساهمة في تحسين أوضاعها للأفضل. ويجب أن تساعد المدارس الطلاب على إدراك القيمة الأكاديمية، وأن يبدؤوا أولاً بفهم منظومة القيم الموجودة في البيئات الفقيرة.

إن الوفاء بمتطلبات برنامج الموهوبين يحتاج توفير العديد من الموارد التي قد لا تكون موجودة في بيئة الطلاب الفقراء. العديد من برامج الموهوبين هي برامج موجهة بالمشاريع. إن فشل المدرسة هو غالباً نتيجة لنقص هذه الموارد. وفي حين يحصل معظم طلاب الطبقة المتوسطة من الطلاب الموهوبين عليها، يفتقد طلاب الطبقة الفقيرة الوصول إلى هذه الموارد. فيما يلي بعض الموارد التي يسبب فقدها ضعفا في البرامج:

  • الافتقار إلى الموارد المالية: عدم وجود المال شراء البضائع والخدمات، وعدم جود نظم دعم الصحة والتنقل. فقد لا يحصل الطلاب على الرعاية الصحية ورعاية الأسنان؛
  • ضعف الموارد العاطفية: قد لا يكون الطالب لديه القدرة على الاختيار والتحكم في الاستجابات العاطفية، لا سيما في الاستجابة للحالات السلبية دون الانخراط في التدمير الذاتي
  • الافتقار إلى الموارد العقلية: بسبب الافتقار إلى المهارات اللغوية، وقد يكون الآباء غير قادرين على مساعدة الأطفال في الواجبات المنزلية.
  • ضعف نظام الدعم: عدم وجود الأصدقاء والأسرة، والموارد الاحتياطية المتاح الوصول إليها عند الحاجة. وقد لا يوجد أي بالغ في المنزل للمساعدة في الواجبات، أو النقل للوصول إلى مكتبة، أو لمساعدة طالب مع مشروع يجب إكماله خارج المدرسة
  • عدم وجود علاقات وقدوة: قد لا يكون لدى الطالب أي شخص يساعده على اتخاذ الخيارات الصحيحة؛
  • السكري أو زيادة الوزن بسبب اتباع نظام غذائي غير صحي؛
  • الافتقار إلى موارد الرعاية الصحية: قد لا يحصل الطلاب على الرعاية الصحية ورعاية الأسنان؛ قد يكون لدى الطالب السكري أو زيادة الوزن بسبب اتباع نظام غذائي غير صحي.

اعتبار البيئة المنزلية عامل في إجراءات التعرف

إذا كنا معنيين بمسألة الإنصاف والعدالة، فإن أخذ العوامل البيئة المنزلية في الاعتبار في عملية التعرف تعد أمراً أساسياً، لأن الطلاب من الطبقة المتوسطة والثرية عادة ما يؤدون بشكل أفضل في المدرسة من أولئك المنحدرين من بيئات معوزة أو ذات دخل اقتصادي متدني.  ولتجنب هذا التفاوت، تحتاج المدارس إلى القيام بأمرين:

  1. يجب أن تأخذ عملية التعرف على الطلاب الموهوبين في الاعتبار اللامساواة القائمة بين الطلاب من خلفيات فقيرة والطلاب القادمين من الطبقة المتوسطة والثرية.
  2. يجب إعادة تصميم الطريقة التي تقدم بها خدمات للطلبة الموهوبين، بحيث تقر الفروق بين الطلاب من الطبقة المتوسطة، والطلاب من خلفيات ذات الدخل الاقتصادي المتدني.

ولا يجب النظر إلى الفقر بأنه مجرد نقص في الدخل المادي فقط، ولكنه أيضا ينعكس على يمكن للطفل القيام به دون موارد متاحة (Payne 1998)، فكلما زادت الموارد والفرص التي تتوفر للأطفال، زادت مستويات أدائهم الأكاديمي. وفي الأسر ذات الدخل المتدني ، لا يستطيع الأطفال الوصول إلى العديد من الفرص التي يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي على مستويات المهارة والإنجاز الأكاديمي، وهي كثيرا ما تفتقر إلى الموارد من حيث الكم والنوعية. قد تكون الأطفال في هذه الأسر لديهم إمكانات كبيرة، لكنهم عاجزون عن المنافسة أمام أولئك الذين يأتون من الطبقات المتوسطة والثرية والذين تتوافر لديهم موارد وفرص عديدة ومتنوعة.

وحتى نكون منصفين، يجب أن يتم استبدال نقاط القطع التي تساوي بين الأطفال المنحدرين من أسر فقيرة وأطفال الأسر المتعلمة والثرية وذلك بالأخذ في الاعتبار توافر الفرص – أو عدمها – في بيئة الطفل المنزلية. ويجب أن تأخذ هذه العملية في الاعتبار ليس فقط البيئة، لكن شكل الأداء على مر الزمن، واستخدام أدوات ، مثل “فروفيل الفرص البيئية” (Slocumb and Payne 2000) التي تسمح للعاملين في المدارس أن يأخذوا في الاعتبار عامل الظروف البيئية التي تؤثر، سلبا أو إيجاباً، على أداء الطالب في المدرسة.

الذكاء غير التقليدي  

إن الأطفال المنحدرون من بيئات ذات دخل متدني لديهم العديد من المواهب التي نادراً ما تعبر عن نفسها في صورة سلوكيات يتم التعرف عليها وتقديرها. على سبيل المثال، قد يعبر هؤلاء الطلاب عن مواهبهم بطريقة تعبيرية وإبداعية، ولكن لأنهم يستخدمون عبارات قصيرة وأبنية لغوية ومفردات محدودة، هذه التعبيرات عادة لا تدرك كمؤشرات لمواهب كامنة. أيضا، على الرغم من أن الطفل من بيئات فقيرة قد يعرف الكثير حول أمور مثل الرياضة وبعض الألعاب الشعبية، إلا أن هذه المعلومات أيضاً لا ينظر إليها بأنها ذات قيمة في عمليات التعرف.

وفي المقابل، يتم إدراك الأطفال من الطبقة المتوسطة الذين يعرفون أسماء جميع المركبات الفضائية وأنواع الديناصورات، ويمكنهم التعبير بفاعلية عن أفكارهم، كموهوبين وفائقين بسهولة.

وفي كثير من الأحيان، يرتبط الفقر والبيئة المنزلية غير المستقرة ارتباطاً وثيقا بمهارات حل المشكلات. ومن المؤكد فإن الطالب الذي يعرف كيفية التعامل مع أفراد الأسرة لتجنب آثار الغضب يمكنه إظهار مثل هذه المهارات. لذا فإن مثل هذا الطالب يمكنه تلقائياً بناء قصة إبداعية لتجنب العقاب. ولكن نظراً لأن مثل هذه الحالات ترتبط بالسلوك السلبي، فإن معظم المعلمين لن يدركوا هذه السلوكيات كأمثلة على مهارات حل المشكلات.

خدمة الموهوبين ذوي الخلفيات الفقيرة اقتصاديا

إن إجراءات التعرف على الطلبة الموهوبين ذوي الخلفيات الفقرية ليست سوى حلاً جزئيا لمسألة الإنصاف. وبمجرد تحديد هؤلاء الطلاب كموهوبين، فإنه يلزم إجراء تغييرات ضمن برامج الموهوبين التقليدية للتأكد من أنهم  باقون في البرامج ويستفيدون منها (Slocumb & Payne 2000)، ويعتبر وضع الطلاب الموهوبين من الخلفيات فقيرة في برامج تعاملهم كما لو كانوا طلاب من الطبقة المتوسطة مع موارد كافية ونظم دعم مناسبة هو أمر ضروري ومؤشر هام لتجنب الفشل.

ويجب الانتباه إلى أن برامج الموهوبين التقليدية يمكن أن تعرّض الطلاب من خلفيات فقيرة  للخطر بعدة طرق:

  1. قد يدرك الطلاب الموهوبون من خلفيات فقيرة أن وضعهم الاجتماعي ليس مكافئا لأولئك الطلبة الموهوبين من الطبقة المتوسطة، يمكن أن يحدث الشعور بعدم كفاية، وتتدنى صورة الذات المتدنية أصلاً.
  2. قد يفتقر الطلاب الموهوبون من خلفيات فقيرة إلى الكثير من الموارد اللازمة للوفاء بالمتطلبات الأكاديمية لبرامج الموهوبين التقليدية (المواصلات والاتصالات وبعض النفقات الخاصة بالمشروعات التي يجب أداؤها خارج المدرسة)
  3. العلاقات عامل هام في حياة الطلاب الموهوبين من خلفيات فقيرة ، وسوف يكتشف هؤلاء الطلاب أن معظم أصدقائهم ليسوا معهم في البرنامج. ويمكن أن يمثل التخلي عن أصدقاء من أجل الدراسة معضلة ضخمة وتضحية مؤلمة لهم (وهذه النقطة يجب التعامل معها وعلاجها أثناء أي برنامج).
  4. المعلمون الذين لا يفهمون القواعد المخفية أو المستترة في الفقر قد يعملون في كثير من الأحيان على إقصاء هؤلاء الطلاب الفقراء من برنامج الموهوبين أكثر مما يبذلون من جهد للحفاظ عليهم في البرنامج.
  5. بسبب عدم توفر الفرص داخل البيئة المنزلية، غالباً ما يفتقر الطلاب الموهوبون من خلفيات فقيرة إلى الكثير من المهارات الأكاديمية الأساسية المتوقعة من الطلاب الموهوبين.

خيارات تصميم خدمات للموهوبين من خلفيات فقيرة

غالباً ما يعتمد تصميم برنامج الموهوبين على العدد من الطلاب الموهوبين والموارد في المدرسة. قد يكون بعض الأحياء لديها مدارس بها أعداد كافية من الطلاب الموهوبين لتقديم فصول خاصة، وقد لا يكون لدى البعض الآخر إلا عدد قليل من الطلاب المحددين كموهوبين، وعادة لا تقدم لهم خدمات. ولا يزال يفضل البعض خدمة الإعداد الصغيرة من الطلاب الموهوبين من خلال برامج الانسحاب. من بين جميع تصاميم البرنامج، هذا التصميم هو أقل البرامج التي يمكن الدفاع عنها للطلاب الموهوبين. مثل أي مجتمع خاص، فإن هؤلاء الطلاب لديهم العديد من الاحتياجات التي يجب أن تعالج على أساس التفرغ. وبرامج السحب التي تخدم هؤلاء الطلاب في أي مكان من ساعة واحدة إلى يوم واحد في الأسبوع غير كافية.  وينبغي النظر في خيارات تصميم البرنامج التالي:

أولا – التدخل المبكر Early Intervention.

يعد التدخل المبكر ضروري للحيلولة دون حدوث مشكلات، وللتخفيف من آثار المشكلات القائمة ولضمان عدم تقلص نقاط القوة لدى الطفل. يركز التدخل المبكر على تنمية أو رعاية الإمكانات لدعم مجالات القوة لدى الطفل. كلما تمكنا من تقديم خدمات التدخل للأطفال من خلفيات فقيرة في وقت مبكر، كلما كان ذلك أفضل. فالتدخل المبكر يعمل على تقليل الأضرار الناجمة عن ضعف الفرص في البيئات الفقيرة. وقد يكون من المناسب البدء من الصف الثالث الابتدائي. ويمكن العمل على استيعاب (200) طفل سنوياً من أطفال الأسر ذات الدخل المتدني ضمن مبادرة الشراكة، وذلك في مدن المملكة المختلفة.

الفصول المكتفية ذاتياً في الأحياء الفقيرة 

تمهد الفصول الابتدائية المكتفية ذاتيا وذات المعلم الواحد الطريق لتطوير علاقات هادفة بين المعلمين والطلاب. لسوء الحظ، فإن العديد من المدارس الابتدائية تتجه تدريجيا نحو بنية الإدارات التي لا تفضي إلى برنامج تعليمية تتمحور حول الطفل. وبالنسبة للطلاب الموهوبين من الخلفيات فقيرة، تمهد الفصول المكتفية ذاتيا ذات العدد المحدود من الطلاب الموهوبين لعلاقات ذات معنى بين المعلمين والطلاب الآخرين ، وكذلك بين الطلاب أنفسهم. كما أنها تمنح المعلم الاستقلالية اللازمة لبناء المنهج الدراسي وفقا لاحتياجات المتعلمين.

يتضمن هذا الاقتراح تصميم عدد من هذه الفصول الخاصة في عدد من المدارس داخل الأحياء الفقيرة. ويتميز هذا الخيار بأنه لا يعزل الأطفال عن أقرانهم في المناطق التي نشأوا فيها، كما أنه يجنب الطفل التفاوت الكبير الذي قد يصعب على بعض الطلاب التأقلم معه عند انتقالهم إلى مدارس الطبقات الاقتصادية الأعلى. كما يمكن أن تستوعب هذه الفصول عدد أكبر من الأطفال في نفس المنطقة، وسوف يعمل ذلك أيضا على رفع جودة التعليم بالمدرسة ككل، مما ينعكس على باقي الطلاب.

ويمكن العمل على إنشاء عدد خمسة وعشرين فصلا بواقع خمسة فصول سنوياً على مدارس خمس سنوات. ويشمل الفصل الواحد بحد أقصى 20 طالباً ، وسوف يتضمن ذلك عدة إجراءات مثل اختيار المدارس، وتأسيس الفصول، واختيار الطلاب، وتدريب المعلمين، مع الوضع في الاعتبار أن عدد الفصول سوف يتضاعف سنويا بسبب انتقال الطلاب لصفوف أعلى.

التعرف على “الموهوبين الفقراء

لتحقيق الإنصاف في عملية تحديد الطلبة الموهوبين، فإن هناك حاجة إلى:

  • استخدام اختبارات معيارية أقل اعتماداً على اللغة.
  • أخذ العوامل البيئية التي تؤثر على الأداء المدرسي في الاعتبار كعامل في الاختيار، ومن ثم يجب النزول بنقطة القطع من أعلى 1% إلى أعلى 5 % بالنسبة للأطفال المنحدرين من بيئات فقيرة.
  • تدريب المعلمين على ترشيح الطلاب ذوي الإمكانات العالية من بين الطلاب منخفضي التحصيل؛

تضمينات للتعرف

يوضح الجداول 3 كيف يمكن أن يظهر بعض الطلاب مواهبهم عندما تتاح لهم الفرصة، وعندما تتم مقارنهم مع أقرانهم من نفس العمر، والخبرة و/أو البيئة. وعند اختيار الأدوات والعمليات لتحديد الطلاب الموهوبين من البيئات الفقيرة، ينبغي الأخذ في الاعتبار هذه السمات. سوف يظهر الطلاب الأثرياء مواهبهم بشكل مختلف تماما عن الطلاب الفقراء أو حتى الموهوبين ذوي الاحتياجات الخاصة.

 

السمة أو الخاصية

الموهوبون

 (Kingore, 1993)

الموهوبون من بيئات فقيرة

(Slocumb & Payne, 2000)

لغة متطورة

Advanced language

§       يظهر مفردات متقدمة

§       يستخدم جمل المعقدة بفعالية 

§       يستخدم الاستعارات والتشبيهات للتعبير عن العلاقات بتلقائية

§       مفردات محدودة

§       يفتقر إلى علاقات السبب والنتيجة في بناء الجملة

§       يستخدم لغة تصويرية لتعكس المقارنات بين الأشخاص

وجهة النظر

Perspective

§       يظهر قدرة على فهم ودمج وجهات نظر غير متوقعة أو غير عادية من خلال اللغة الشفوية والكتابة، والأعمال اليدوية، والفن

§       يدمج وجهات نظر غير متوقعة أو غير عادية من خلال اللغة الشفوية، ,والأعمال اليدوية، والفن (وقد لا يفعل ذلك في الكتابة)

الحساسية

Sensitivity

§       حساس جدا تجاه احتياجات الآخرين •

§       يظهر شعور قوي للعدالة ويضع معايير عالية للذات والآخرين

§       يظهر شعور قوي للعدالة كما حددتها بيئته

§       لديه إحساس بقضايا الإنصاف

 

التعلم المسرع

Accelerated learning

§       يظهر اتقان وقدرة على التعلم وفهم المواد والمفاهيم الكامنة وراء الحقائق والمعارف النمطية والمتوقعة لهذه الفئة العمرية

§       يتعلم بسرعة عندما يتم توضيح كيفية القيام بالأشياء التي كان عليه أخذها في الاعتبار بطريفة ذات مغزى

حس المرح

Sense of humor

§       يظهر فهما للمستوى مرتفع من الدعابة؛ ويطبق روح المتقدمة من الدعابة، إما عن طريق إنتاج النكات، الأحاجي، التورية، أو غيرها من آثار روح الدعابة أو من خلال فهم النكتة خفية عن الآخرين

§       يطبق روح الدعابة ، ويخلق نكات أصيلة

§       كثيرا ما يقلد الأفراد والأحداث بخفة دم

 

القدرة التحليلية

Analytical thinking

§       يحدد الأجزاء من الكل

§       يحدد العلاقات والأنماط في الإجراءات، والخبرات، والأفكار، و/أو الكائنات

§        

الدافعية الهادفة

Meaning motivated

§       يظهر الفضول ودافع داخلي، وفهم دقيق ومستقل

§        لديه ذاكرة واسعة

§        

 

 

References

Payne, R. K. A Framework for Understanding Poverty (Revised Edition). Baytown, TX: RFT Publishing Co., 1998.

Slocumb, P. D.; and Payne, R. K. Removing the Mask: Giftedness in Poverty. Highlands, TX: RFT Publishing Co., 2000.

Paul D. Slocumb and Ruby K. Payne are consultants and co-authors of Removing the Mask: Giftedness in Poverty.

عن admin

شاهد أيضاً

ويُبقي الدهر ما كتبت يداهُ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You cannot copy content of this page