الرئيسية / الموهبة والإبداع / رعاية الأطفال الموهوبين في المرحلة الابتدائية

رعاية الأطفال الموهوبين في المرحلة الابتدائية

 

د. أسامة محمد إبراهيم

أستاذ علم النفس التربوي (تعليم الموهوبين) – جامعة سوهاج

صاغت الرابطة الوطنية للأطفال الموهوبين National association for Gifted Children (NAGC) مجموعة من معايير برمجة تربية الأطفال الموهوبين كدليل لتخطيط خدمات عالية الجودة وتنفيذها بداية من مرحلة ما قبل المدرسة وحتى الصف الثاني عشر (PreK-12). وقد أكدت معايير برمجة تربية الموهوبين على أهمية دور بيئات التعلم في تطوير الكفايات الشخصية والاجتماعية والثقافية، إضافة إلى كفايات التواصل والقيادة، كما أكدت معيار البرمجة على أهمية تطوير مجموعة شاملة من الخدمات وتنفيذها، مثل الإثراء والتسريع والجميع، وتفريد التعلم، والتلمذة والتقانة التي تطور جوانب ذات صلة بموهبة الطالب.  وأشارت المعايير في ممارساتها المستندة إلى الأدلة إلى أهمية تشكيل رؤية شاملة مستمرة ومتتابعة تستخدم في تطوير خطط متمايزة للتمييز بين الطلاب الموهوبين من مرحلة الروضة وحتى الصف 12. كما أشارت المعايير أيضا إلى أهمية استخدام المربين بانتظام لخيارات إثرائية لتوسيع فرص التعلم وتعميقها داخل المدرسة، هذه الفرص تأخذ أشكالا متنوعة مثل: المجموعات العنقودية وغرف المصادر والصفوف الخاصة والمدارس الخاصة، كما تشير المعايير إلى استخدام خيارات تفريد التعليم مثل التلمذة والتدريب ودورات تعلم الكتروني عبر الانترنت والدراسات المستقلة.

إن أحد أهم الدروس التي تعلمها علماء دراسة الجملة العصبية منذ فترة قريبة أن الدماغ عبارة عن آلة تتمتع بإمكانية عالية على التكيف، وبخاصة خلال مرحلة النمو؛ فالنمو الطبيعي للدماغ يعتمد على استخدام داراته، ولا يختلف ذلك فعليا عن تكيف (أو نمو) العضلة عن طريق المران، الفرق أن الاستخدام المتزايد للدماغ لا يبدل من حجمه ولا من شكله. وهذا يعني أهمية البيئة والرعاية والتدخل المبكر في تطوير قدرات الطفل ومواهبه الكامنة. إلا أن أكثر ما يقلق بعض التربويين هو التحديد المبكر للأطفال وتمايزهم في مرحلة تشكيل الاستعداد والقدرات، خاصة بالنسبة للطلاب الذين يأتون من بيئات محرومة ثقافيا واقتصاديا فتكون فرصهم ضعيفة في تحديدهم كموهوبين في الصفوف المبكرة. ولذلك يفضل بعض المربين تقديم خدمات مميزة لجميع الأطفال مع التركيز على استراتيجيات تمايز التدريس وتفريد التعليم خاصة في الصفوف المبكرة، مع استخدام معايير تقييم متعددة تسمح بظهور مؤشرات الموهبة الكامنة. كما أنهم يميلون إلى وصف السلوك بالموهوب Gifted Behavior في الأعمار المبكرة أكثر من وصف الطفل بالموهوب Gifted Child، وذلك تجنبا لأي تأثير ضار على تطور مفهوم الذات لديه أو لدى أقرانه، وذلك إلى مرحلة متأخرة من تطور الموهبة وتشكلها في صورة أداء فعلي.

إن خيارات خدمة الأطفال الموهوبين في المرحلة الابتدائية يجب أن تستمر لأهميتها في تشكيل القدرات والاهتمامات، إلا أن هذه الرعاية تأخذ أشكالا متنوعة في البيت (دور الوالدين)، وداخل الفصل الدراسي (المعلم والتدريس)، وفي المدرسة (بيئة التعلم والمناهج والتطوير المهني للمعلمين)، مثل البرامج الإثرائية الصيفية، والفصول الخاصة، والمجموعات العنقودية، والمسابقات والتعليم الالكتروني عن بعد، وغيرها. كما يُعدّ المعلم أهم عنصر في العملية التعليمية والاستثمار في تأهيله وتطوره هو أحد الأمور الحاسمة في رعاية جميع الأطفال وخاصة الموهوبين.

في دول العالم التي ترعى الموهوبين، يلتحق الطلاب الموهوبين بأنواع متعددة من البرامج التعليمية، ويجري هذا التعليم في أوضاع يمكن أن تتدرج على متصل تتراوح بين الأقل تقييدا إلى الأكثر تعقيدا وكثافة. وعادة ما يتعلم الأطفال الموهوبين من خلال الصفوف غير المتجانسة، وبرامج السحب، والفصول المستقلة والأكاديميات الداخلية أو المدارس الخاصة، إلا أن هذه الطريقة الأخيرة جديدة وقليلة نسبيا. ومعظم الأكاديميات الخاصة للموهوبين تستهدف في الغالب الطلاب في المرحلة الثانوية (9-12). إن رعاية أطفال المرحلة الابتدائية في مدارس الشراكة لها فوائد عديدة إلا أنها أيضا لا تخلو من بعض المشاكل المتعلقة بالتصنيف المبكر للأطفال ومشاكل التكيف في المدارس الجديدة بالنسبة للأطفال الصغار، بالإضافة إلى صعوبات الانتقال أحياناً خاصة بالنسبة لبعض الوالدين، هذا بالإضافة إلى ارتفاع الكلفة المالية.

إن رعاية الأطفال الموهوبين في المرحلة الابتدائية يمكن أن تأخذ أشكالا متنوعة، وليس بالضرورة الرعاية المكثفة التي تتميز بارتفاع الكلفة المالية والذي يمكن أن يؤدي إلى قلة العدد المستهدف. وإنني أوصي في ظل ما تقدم باستمرار رعاية الأطفال الموهوبين في المرحلة من خلال البرامج الإثرائية، والمسابقات، ومن خلال تدريب المعلمين أيضا. كما يمكن لموهبة تعزيز قدرة المدارس وتمكينها من تطوير فصول خاصة للموهوبين بها، مما يضمن استمرار الراعية وزيادة الأعداد المستهدفة واتساع رقعتها.

عن admin

شاهد أيضاً

سياسة رعاية الموهبة: نموذج لأحد المدارس

د. أسامة محمد إبراهيم  أستاذ علم النفس التربوي – جامعة سوهاج هذا نموذج مختصر لكيفية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You cannot copy content of this page