الرئيسية / مقالات / معضلة الوعي

معضلة الوعي

أ. د. أسامة محمد إبراهيم

أستاذ علم النفس التربوي – جامعة سوهاج – جمهورية مصر العربية

 

لم يستطع العلماء – بما فيهم علماء الأعصاب – للآن التعرف على موقع الوعي في الدماغ ، حتى باستخدام التقنيات الأكثر تطوراً.

يعتقد البعض أن الوعي هو شيء يتجاوز كل حواسنا، بما في ذلك عقولنا – حيث وعي الفرد بذاته.

لكن ما هي طبيعة عقلك من دون أي مدخلات حسية، ما الذي يشكل مدركاتنا العقلية ؟ تخيل لو فقد المرء كل حواسه الخمسة، ما الذي سيحدد تجربته الواعية؟ سوف يترك المرء فقط مع عقله، وسوف يجد نفسه في مساحة من الفراغ خالية، هناك سيلتقي بذاته دون أن يشوش وعيه العقل بمدخلاته التي تعيد تشكيل الوعي. ربما كان ذلك يمثل تجربة رائعة لكننا لن نعرفها يقينا.

في تجربة مثيرة قام بها جراح أعصاب يدعي “بنفيلد”، كان يبحث عن الوعي. في هذه التجربة، كان الجراح يقوم بتحفيز أجزاء مختلفة من عقل المفحوص ليرى ماذا سيحدث. في إحدى تجاربه، قام بتحفيز جزء من العقل يدعى “القشرة الحركية”، هذه القشرة الحركية هي التي تتحكم في حركة الجسد، قام بتحفيزها، فبدأ ذراع المريض يتحرك،

فسأل الطبيب المريض: ماذا حدث لك؟

المفحوص: لقد تحرك ذراعي هكذا!

الطبيب: هل قمت بتحريك ذراعك؟

المفحوص: لا، لقد تحرك  لوحده .. ربما أنت تحركه عني، عن طريق تحفيز عقلي!!

الطبيب: حسنا حين أقوم بتحفيز عقلك كي تحرك ذراعك باتجاه ما أود منك أن تصنع قرارا، وأن تحركه في اتجاه آخر..

كرر الطبيب التحفيز في اتجاه ما، لكن كان المفحوص في كل مرة كان يحرك يده في الاتجاه المعاكس.

في النهاية أتى دكتور بنفيلد إلى خاتمة شيقة عبر تجاربه ..

قال بنفيلد: العقل يأمر الجسد بأن يتحرك بطريقة معينة، لكن يوجد شخص ما هناك، يقول للعقل لن أدعك تفعل هذا، وسأتحرك بطريقة مختلفة أو في اتجاه آخر ..

د بنفيلد: هناك صانع قرار يمكنه التغلب على أوامر العقل للجسد! …أعلم أين يوجد مصدر الأوامر، لكن أين يوجد الآمر؟!  .. أين هو صانع القرار ذلك الذي يتغلب على أوامر العقل للجسد؟!

هكذا قام  دكتور بنفيلد وآخرين بتجارب للبحث عن هذا الشخص بداخلنا .. هذا الشخص الذي يقوم بالاختيار طوال الوقت …

أنت صانع القرار، لكن يبقى السؤال

من المدعو “أنت” ؟ أين توجد؟

هل “أنت” داخل جسدك، أم جسدك بداخلك؟!

هل أنت داخل عقلك أم عقلك بداخلك؟!

هل أنت داخل هذا العالم أم أن العالم بداخلك؟!

هل الوعي شيء منفصل عن ذواتنا كسحابة افتراضية تتوجد معنا لكنها – في الوقت ذاته – توجد في مكن آخر مجهول لا نعرفه؟!

 

عن admin

شاهد أيضاً

كيف تبني مقياس دراستك؟

هناك عدد من الممارسات الضرورية لتصميم مقاييس الدراسات المسحية، وهي تتضمن ست خطوات: الخطوة 1: …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You cannot copy content of this page