الرئيسية / الموهبة والإبداع / تنمية القيادة لدى أبنائنا الموهوبين

تنمية القيادة لدى أبنائنا الموهوبين

د. أسامة محمد عبد المجيد إبراهيم

تعتبر القيادة أحد مظاهر الموهبة، وغالباً ما يذكرها الباحثون عند تناولهم للموهبة كأحد خصائص الطلاب الموهوبين. وقد حدد جاردنر (1983) سبعة أنماط من الذكاء في نظريته “الذكاء المتعدد” يرتبط اثنان منهم بشكل مباشر بالموهبة القيادية هما: الذكاء الشخصي والذكاء الاجتماعي. الذكاء الشخصي يجعل الفرد قادراً على التعرف على انفعالاته، وتوظيفها كوسائل لفهم وتوجيه السلوك. بينما يجعل الذكاء الاجتماعي الفرد قادراً على قراءة رغبات الآخرين ومقاصدهم والتصرف بناء على تلك المعرفة. إن الأفراد الذين يملكون مستويات عالية من تلك القدرات غالباً ما يكونون قادة في مواقع مختلفة.  ويعتقد كثير من المربين أن القيادة صفة مكتسبة وليست سمة وراثية يولد بها الفرد كلية، وأن المهارات والاستراتيجيات المتضمنة في القيادة يمكن، بل ينبغي، تعلمها بطريقة مقصودة من خلال المناهج الدراسية والأنشطة اللاصفية المصاحبة.

ويعرف بعض الباحثين القيادة من حيث علاقة القائد بأتباعه، على سبيل المثال يعرف دوماس وآخرون (1979) القيادة بأنها القوة التي يمارس من خلالها فردُُ ما تأثيراً في إطلاق وتحرير أفكار وطاقات وانفعالات الآخرين وتوجيهها وضبطها. هذه القوة يمكن بطريقة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة أن تكون بناءة أو مدمرة. ويدعم جاردنر هذه الرؤية بقوله إن القادة هم الأفراد الذين يؤثرون في أفكار وانفعالات وسلوكيات عدد كبير من الأفراد.

ويعرف آخرون القيادة من حيث سياق الجماعة أو المنظمة التي يكون الفرد عضواً فيها. فيعرف جاليجر (1990) القيادة بأنها ممارسة القوة أو التأثير في التكتلات الاجتماعية مثل الجماعات والمنظمات والمجتمعات أو الأمم لتحقيق حاجات الجماعة. وتركز تعريفات أخرى على أهمية الخصائص الشخصية للقائد حيث يرى البعض أن القيادة تتجسد في القدرة والرغبة في حشد قوى الأفراد نحو هدف عام، والشخصية القيادية هي التي تُلهم الأفراد وتبعث فيهم الثقة.

ويرى هنري كسنجر أن القائد المتميز يجب أن يكون مربياً قادراً على سد الفجوة بين الواقع والطموح، ولكنه في نفس الوقت يجب أن تكون لديه الرغبة في أن يمشي إلى غايته وحيداً، وأن يجعل الجماعة أو المجتمع قادراً على أن يتبعه في طريقه الذي اختاره. وهكذا يبدوا أن الفكرة الرئيسية في كل التعريفات السابقة للقيادة تكمن في العلاقة بين الفرد وجماعة من التابعين في سياق أو بيئة معينة.

 وبشكل عام يوجد مكون معرفي وآخر وجداني في القيادة. ويبدو أن هناك كم كبير من القدرات التي تشكل الجانب الاجتماعي للقيادة. ويرى فيلدهوزن وكيندي (1988) أن الموهبة القيادية تتضمن قدرة عقلية، ونمو خُلقي، ومهارات تفكير، وسلوكيات شخصية اجتماعية والقدرة على تحفيز الآخرين . كما أظهرت بعض الدراسات التي تناولت عينة من الطلاب الذين يتمتعون بإمكانات قيادية عالية مجموعة من العوامل الشخصية والانفعالية من أهمها: النضج الانفعالي، الضمير الحي، الإصرار، والتوجه نحو القيم الأخلاقية، والمسئولية الاجتماعية، والصداقة الحميمة، ومستوى منخفض من التزمت، والميل للعمل التطوعي، ومستوى منخفض من القلق،والقدرة على الاحتفاظ بالدور القيادي في المواقف الجماعية، والقدرة على ضبط سلوكهم الجمعي. ونظام سليم للقيم الاجتماعية والخلقية.

ويعتبر القادة  بشكل عام منبسطين أو منفتحين اجتماعياً، ومع ذلك يوجد العديد من الطلاب المنطوين الذين يصبحون قادة بعد بلوغهم الرشد. هذه نقطة هامة، إذ كثيرا ما تحدث بين الموهوبين المنطوين ، فبينما يميل المنبسطون لأن يصبحوا قادة في المجالات العامة، يميل المنطوون إلى أن يصبحوا قادة في المجالات النظرية والحركية. إن المتتبع للسير الذاتية لمعظم القادة المتميزين الذين أبدعوا في مجالات فكرية جديدة أو الذين أعادوا ترتيب المعرفة الموجودة يجد أنهم  قد قضوا أوقاتاً طويلة من حياتهم في عزلة. ولذا فإن القيادة لا توجد فقط في المجالات الاجتماعية، ولكنها توجد أيضاً في المواقف الأكثر انعزالية مثل تطوير التكنولوجيا الحديثة، وفي الأدب والفلسفة والتأليف والعلوم.

إن الموهبة القيادية ليست شيئاً موروثاً كلية كما يعتقد كثير من الناس، بالتأكيد هناك استعداد معين لدى هؤلاء الأفراد يتعلق بالذكاء الاجتماعي والذكاء الشخصي كما يقترح جاردنر (1983) والذكاء العملي كما يقترح ستيرنبرج (1988). وفي الواقع، تظهر القيادة بوضوح اعتمادا على البيئة الثقافية والاجتماعية والمواقف التي ينمي من خلالها الأفراد قدراتهم القيادية.

إن هناك حاجة حقيقية لدى أبنائنا الموهوبين الذين يمكنهم أن يصبحوا قادة للمجتمع لأن يعطوا الفرصة لتنمية وتطوير الأسس المعرفية الأساسية في مجال أو أكثر من مجالات القيادة. إن مهارات التفكير وقدرات حل المشكلات وكذلك الميل نحو الإنتاج الإبداعي تُعد أمراَ ضرورياً لتشجيع التفكير العقلي. إن الأفكار المتميزة تنبثق من أولئك الأفراد الذين طوروا بالفعل قواعد معرفية واسعة، ومن أولئك المتحمسين لتطوير أساليب نحو الإنتاج الإبداعي. أن القادة البارعين هم في الأساس مفكرون بارعون.

إن التطبيقات العملية لذلك هو أن مهارات التفكير كمهارة حل المشكلات بطرق إبداعية يمكن أن تُعلَّم بشكل مبدئي كنظام ما وراء معرفي، وأنه يجب أن يوجد مكان واضح لإدخال أو دمج مهارات التفكير في البرامج أو الأنشطة التربوية التي تهدف إلى تعليم القيادة للطلاب الموهوبين. ويمكن تدريب أولئك الطلاب على أن يستخدموا فهمهم الذاتي لاكتساب ضبط أفضل لدوافعهم الداخلية، ونزعاتهم وأساليبهم التي تميز أعمالهم في المجالات المختلفة. إن النموذج الذي يشكله المعلم أو القادة التاريخيون في مجالات عديدة يمكن أيضاً أن تشكل مصادر هامة للتأثير التربوي على الطلاب. ولذا فإن المعلمين والقادة التاريخيين يمكن بل يجب أن يكونوا جزءاً من المنهج الدراسي. ويجب أن تساعد المناهج الدراسية الطلاب الموهوبين في القيادة على أن يطوروا معارف عن القيم والأخلاق والنظم الفلسفية؛ فالقدرة القيادية بدون أخلاق تقود إلى التلاعب والفساد، بينما تقود القيادية مع الأخلاق إلى خدمة الإنسانية. لذا فإنه من المهم أن تتضمن التربية القيادية قضايا أخلاقية لتثقيف وتربية قادة المستقبل على التميز الأخلاقي.

ويمكن أن تتضمن برامج تنمية القيادة لدى الطلاب الموهوبين أنشطة مثل القراءة والمناقشة والمشروعات الجماعية والعمل مع المشرفين والتقييم الذاتي للمهارات والقيم والاتجاهات المرتبطة بالقيادة وخبرات من الحياة الواقعية. وتساعد المشاركة النشطة في مناقشة الأفكار والمفاهيم ومهارات القيادة الطلاب على أن يعيدوا تشكيل أفكارهم الخاصة عن القيادة. وتقدم الخبرات الواقعية للسلوك القيادي للطلاب الموهوبين فرصاً لتجريب السلوكيات القيادية التي يقدمها برنامج القيادة، كما أنها تساعدهم على أن يطوروا مجموعة من المهارات القيادية.

عن admin

شاهد أيضاً

الإبداع … تلك “الزهور الذهبية”

  د. أسامة إبراهيم تتفتح زهور الإبداع في أزمنية وأمكنة معينة ، إلا أنها تترك …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You cannot copy content of this page