الرئيسية / كتب / دور توجه الهدف في التعلم المنظم ذاتيًا: عرض لنموذج بنترتش Pintrich

دور توجه الهدف في التعلم المنظم ذاتيًا: عرض لنموذج بنترتش Pintrich

د. أسامة محمد إبراهيم

أستاذ علم النفس التربوي – جامعة سوهاج

يعني التعلم المنظم ذاتيا (SRL) Self-Regulated learning  بتطبيق نماذج عامة للتنظيم والتنظيم الذاتي على قضايا التعلم. وبشكل خاص، التعلم الأكاديمي. و يوجد العديد من نماذج الــ SRL التي تفترض مفاهيم وميكانيزمات مختلفة ،ولكنها جميعاً تشترك في بعض الافتراضات حول التعلم والتنظيم ، وهي كالآتي :

1 – التعلم بناء نشط : Active , constructive assumption

وهو افتراض ناتج من منظور معرفي عام حيث تعتبر كل النماذج المتعلم مشارك بنَّاء ونشط في عملية التعلم، فهي تفترض أن المتعلم يبني مفاهيمه وأهدافه واستراتيجيات التعلم الخاصة به من المعلومات المتاحة في البنية الخارجية وكذلك المعلومات الموجودة في عقله (البيئة الداخلية). فالمتعلم ليس مستقبلا خاملا للمعلومات من الآخرين، بل على العكس من ذلك فهو صانع لمعانيه بطريقة نشطة وبناءة حال شروعه في عملية التعلم.

2 – القدرة على الضبط: Potential for control assumption

تفترض جميع النماذج أن المتعلم لديه القدرة على مراقبة وضبط وتنظيم جوانب معينة من معرفته ، ودوافعه ، وسلوكه ، وبيئته أيضاً . وهذا بالطبع لا يعني أن الفرد لديه القدرة على فعل ذلك في جميع الأوقات وفي كل البيئات ، ولكن يعني أن بعضا من المراقبة والضبط والتنظيم هو شيء ممكن .

3 – الهدف أو المحك أو المعيار : Goal, criterion or standard

تفترض جميع نماذج التنظيم وجود محكات أو معايير ( يمكن تسميتها أيضاً أهدافاً أو قيماً مرجعية) يتم من خلالها تقييم عملية ما، وما إذا كان من الواجب أن تستمر هذه العملية كما هي أو أن بعضاً من أشكال التغيير يجب إدخالها. فالأفراد يمكنهم أن يضعوا معايير وأهدافا يجاهدون من أجل تحقيقها في تعلمهم، ويراقبون تقدمهم نحو هذه الأهداف، ثم يكيفون معرفتهم ودوافعهم وسلوكهم كي يصلوا إلى أهدافهم.

4 – إن أنشطة التنظيم الذاتي هي متغيرات متوسطة بين الخصائص البيئية والشخصية وبين التحصيل أو الأداء الفعلي.

خصائص بيئية وشخصية  تنظيم ذاتي  الأداء أو التحصيل

 هذا يعني أن خصائص الأفراد الثقافية  أو الشخصية ليست وحدها التي تؤثر في التحصيل والتعلم بطريقة مباشرة أو أن الخصائص البيئية ( بيئة الفصل مثلا ) هي التي تشكل التحصيل ، وإنما التنظيم الذاتي للمعرفة والدافعية  والسلوك هي التي تتوسط العلاقة بين الفرد والبيئة والأداء . هذا على الرغم من أن الكثير من الباحثين  يختبر أنشطة  التنظيم الذاتي على أنها مخرجات في حد ذاتها .

وبناء على ما تقدم ، يمكن تعريف التعلم المنظم ذاتيا على أنه ” العملية البنائية النشطة التي من خلالها يضع المتعلمون أهدافاً لتعلمهم ، وبعد ذلك يحاولون مراقبة وتنظيم وضبط معرفتهم ودوافعهم وسلوكهم موجهين بالأهداف والجوانب السياقية في البيئة. هذه الأنشطة التنظيمية يمكن أن تتوسط العلاقة بين الفرد والبيئة وبين التحصيل أو الأداء”. وعلى الرغم من بساطة هذا التعريف ، فإنه يشتمل على أهم مجالات التنظيم والتي ستقدم بمزيد من التفصيل لاحقاً بما يظهر التعقد والتنوع في عمليات التعلم المنظم ذاتيا.

ويوضح الجدول (1) إطاراَ عاماً لتصنيف المراحل والمجالات المختلفة للتنظيم ، تشكل الصفوف الأربعة بالجدول المراحل الأربعة للتنظيم وهي العمليات التي تشترك فيها العديد من النماذج (e.g., Zimmerman, 1998a, 1998b, 2000)  وهي تشمل: وضع الأهداف ، والمراقبة ، وعملية الضبط والتنظيم .

تتضمن المرحلة الأولى التخطيط ووضع الأهداف وكذلك تنشيط المدركات Perceptions والمعارف  Knowledgeالخاصة بالمهام وكذلك السياقContext  والذات Self في علاقتها بالمهمة. والمرحلة الثانية تتعلق بعمليات المراقبة المتنوعة التي تمثل الوعي ما وراء المعرفي   Metacognitive awareness  بالجوانب المختلفة للذات أو المهمة والسياق. وتتضمن المرحلة الثالثة جهود ضبط وتنظيم الجوانب المختلفة للذات أو المهمة والسياق . وأخيراً تمثل المرحلة الرابعة أنواعاً متنوعة من ردود الأفعالReactions   والتأملات أو التدبر Reflections  في الذات أو المهمة والسياق .

وعلى الرغم من أن هذه المراحل الأربعة تمثل سلسلة ذات تتابع زمني عام A general time-ordered sequence  يمر بها الفرد عندما يؤدي مهمة ما ، إلا أنه ليس هناك دليل قوي يؤيد أن هذه المراحل مرتبة بشكل خطي أو هرمي ، تحدث فيه المرحلة الأولى دائما قبل المراحل الأخرى ، ففي معظم نماذج SRL  يمكن أن تحدث عمليات المراقبة والضبط والتأمل بطريقة متآنية  Simultaneously أو ديناميكية حال تقدم الفرد في أداء المهمة ، مع تغيير في الأهداف والخطط بناءً على التغذية المرتدة Feedback من عمليات المراقبة  والضبط ورد الفعل .

وتمثل الأعمدة الأربعة في الجدول (1) مجالات التنظيم المختلفة والتي يمكن للفرد أن يراقبها ويضبطها وينظمها. وتعكس الثلاث أعمدة الأولى ( المعرفة Cognition  ، والدافعية / الانفعال Motivation/Affect  ، والسلوك Behavior  التقسيم الثلاثي التقليدي للمجالات المختلفة للوظائف السيكولوجية. بالطبع ، يوجد في البيئة أفراد آخرون – مثل المعلمون – قد يحاولون تنظيم معرفة ودافعيه وسلوك الآخرين وذلك بتوجيههم أو دعمهم من حيث ماذا وكيف وأين يفعلون مهمة ما..وبشكل عام فإن أشكال المهام والسياقات الأخرى يمكن أن تسهل أو تعوق محاولات الفرد لتنظيم الذات . أما العمود الأخير فيتناول السياق أو البيئة المحيطة Context  ، هذا على الرغم من أن عددا غير قليل من النماذج لم يضمن هذا البعد في نموذجه لSRL  بدعوى أن السياق ليس جزءا من الذات. وحقيقة الأمر أن الذات هي التي تعمل وفق السياق وتحاول تغييره أو التوافق معه ، ومن هنا رأى البعض جعل محاولات تنظيم السياق جزءا من الـ SRL

وفيما يلي وصفا تفصيليا لمكونات التنظيم الذاتي :

 

أولا : تنظيم المعرفة : Regulation of cognition

على الرغم مما ذكر سابقاً من أن مراحل التنظيم يمكن أن تتداخل أو تحدث بشكل متآنٍ مع تفاعلات متعددة بين العمليات والمكونات المختلفة ، فإنه لا يوجد افتراض قوي لعملية خطية بسيطة واستاتيكية مع مكونات منفصلة وغير تفاعلية.

1-    التخطيط والتنشيط المعرفي Cognitive planning and activation :

يوجد ثلاثة أنماط عامة للتخطيط أو التنشيط (1) وضع الأهداف Target goal setting  (2) تنشيط المعارف المناسبة السابقة Prior knowledge  (3) تنشيط المعارف ما وراء المعرفية Metacognitive knowledge   (3) وضع الأهداف ويتضمن وضع أهداف محددة للمهمة Task-specific goals والتي يمكن أن تستخدم لتوجيه المعرفة Cognition  بشكل عام والمراقبة بشكل خاص وعمل الأهداف كمعايير لتقييم ومراقبة وتوجيه المعرفة . بالطبع ، فان وضع الأهداف في الغالب يفترض أن يحدث قبل بداية المهمة ، ولكن هذا قد يحدث في أي نقطة أثناء الأداء ، حيث يمكن أن تعدل الأهداف أو تغير في أي وقت أثناء أداء المهمة كدالة لعملية المراقبة والضبط والتدبر .

أما الجانب الثاني من عملية التخطيط – تنشيط المعارف السابقة المناسبة – فهي عملية يمكن أن تحدث بطريقة آلية وبدون تفكير واعٍ أو شعوري ، ذلك أنه عند معالجة المتعلم لمهمة ما في مجال ما ( الرياضيات مثلا ) فان بعض الجوانب من معارفهم حول الرياضيات يمكن أن تنشط بطريقة اوتوماتيكية وبسرعة وبدون ضبط شعوري. هذا النمط من المعالجة لا يعتبر ” تنظيما ذاتياً لأنها ليست تحت ضبط واضح للمتعلم. وفي نفس الوقت فإن الطلاب ذوي التنظيم الذاتي الجيد يمكن أن يفتشوا بطريقة نشطة في ذاكرتهم بحثاً عن المعارف السابقة المناسبة قبل أن يبدأوا بالفعل في أداء المهمة. هذه المعارف السابقة يمكن أن تتضمن معارف المحتويات، بالإضافة إلي  معارف ما وراء المعرفة حول المهمة والاستراتيجيات .

إن تنشيط المعارف السابقة للمحتويات هي عملية يمكن أن تحدث بطريقة آلية، لكنه أيضاً يمكن أن يحدث بطريقة أكثر تخطيطاً وتنظيماً من خلال منبهات عديدة وأنشطة الأسئلة الذاتية مثل: سؤال الفرد نفسه ” ماذا أعرف عن هذا الموضوع أو هذه المشكلة ، وكذلك من خلال بناء أفضل لتمثيلات المشكلة.

أما المكون الثالث – هو تنشيط معارف ما وراء المعرفة – فيتضمن تنشيط معارف عن المهام المعرفية والاستراتيجيات المعرفية والتي تبدو مفيدة لعملية التعلم . وكما ذكر سابقاً فان هذا التنشيط يمكن أن يحدث آلياً بواسطة الفرد، كما أنه يمكن أن يحدث بطريقة شعورية أكثر وعياً.

وتتضمن معارف ” المتغيرات الاستراتيجية ” كل المعارف التي يمكن أن يكتسبها الأفراد حول الإجراءات والاستراتيجيات المتنوعة للمعرفة Cognition ،  بما فيه التذكر Memorizing والتفكير Thinking  ، حل المشكلات Problem solving  ، والتخطيط  Planning ، والدراسة  Studying، والقراءة Reading ، والكتابة Writing … إلخ من أمثلة المعارف الاستراتيجية معرفة أن ” استراتيجيات الإعادة ” Rehearsal يمكن أن تساعد في استدعاء أرقام التليفونات ، أما استراتيجيات الإتقان Elaboration والتنظيم Organization يمكن أن تساعد في تذكر وفهم البيانات النصية أو النصوص Text information .

وعادة ما تقسم المعارف ما وراء المعرفية إلى ثلاثة أقسام: معرفة تقريرية Declarative .ومعرفة إجرائية Procedural، ومعرفة شرطية Conditional ،المعارف التقريرية ترتبط ب “ماذا ” أو ” ما ” What المعرفة ، وهي تتضمن معرفة استراتيجيات معرفية مثل: الإعادة أو الإتقان . وتتضمن المعرفة الإجرائية معرفة ” كيف ” How تؤدي وتستخدم الاستراتيجيات المعرفية المتنوعة أما المعرفة الشرطية فتتضمن معرفة ” متى ”  و ” لماذا ” تستخدم الاستراتيجيات المختلفة . هذا النمط من المعرفة الشرطية يكون هاماً للاستخدام المرن والتوافقي للاستراتيجيات المتنوعة .

2- المراقبة المعرفية : Cognitive monitoring

تتضمن المراقبة المعرفية المتابعة الواعية للجوانب المتنوعة للمعرفة ، وهي تمثل مكوناً هاماً لما يسمى كلاسيكياً ” ما وراء المعرفة ” Metacognition . فعلى العكس من المعرفة ما وراء المعرفية Metacognition knowledge والتي تشكل المعارف الاستاتيكية الثابتة التي يمكن أن يخبر الأفراد ما إذا كانوا يعرفونها أم لا ، فان المراقبة ما وراء المعرفية تشمل عمليات أكثر ديناميكية ، وهي تعكس الوعي ما وراء المعرفي والأنشطة ما وراء المعرفية النامية والمتطورة والتي يمكن أن يندمج فيها الأفراد عند أدائهم .

أحد أنشطة المراقبة ما وراء المعرفية يتضمن أحكام التعلم Judgments of Learning ( JOT) ومراقبة الفهم . هذه الأحكام يمكن أن تعزز نفسها في عدد من الأنشطة مثل: وعي الفرد بأنه لا يفهم شيئاً ما يقرأه أو سمعه للتو ،أو وعيه أنه يقرأ بسرعة كبيرة أو ببطءٍ شديد بالنسبة للنص أو بالنسبة لهدفه من القراءة .

نمط آخر من أشكال الوعي ما وراء المعرفي يسمى ” الشعور بالمعرفة ” Feeling of Knowing ( FOK) مثال لهذا النمط يحدث عندما لا يستطيع الفرد أن يسترجع شيئاً ما عندما يطلب منه ذلك ، ولكنه يعرف جيداً أنه يعرفه ، أو على الأقل لديه شعور قوي أنه يعرفه ، أو بأسلوب أخر ، هذه الخبرة تُدعى ” على طرف اللسان ” The Tip of the Tongue . ويشير كوريات (Koriat, 1996) إلى أن هذا النوع من الأحكام يكون أفضل من المنبئات التصادفية لأداء الاسترجاع المستقبلي . وفي مهام الفهم القرائي فان   الشعور بالمعرفة FOKs يمكن أن تتضمن الوعي بأنك قرأت شيئاً ما في الماضي حول موضوع ما وأن لديك بعض الفهم له ، ولكنك لست قادرا تماماً على استرجاع بعض المعلومات حوله عند الطلب .

3- الضبط والتنظيم المعرفي : Cognitive control and regulation

يتضمن الضبط المعرفي أنماطاً من الأنشطة المعرفية وما وراء المعرفية التي يندمج فيها الفرد كي يتكيف مع أو يغير من معرفته Cognition . وفي معظم نماذج ما وراء المعرفة والتعلم المنظم ذاتيا فان أنشطة التنظيم والضبط المعرفي يفترض أن تكون معتمدة على ، أو على الأقل مرتبطة بقوة ، بأنشطة المراقبة ما وراء المعرفية ، هذا على الرغم من أن الضبط  والمراقبة ما وراء المعرفية عادة ما يتم إدراكها على أنهما عمليتان منفصلتان. وكما هو في أي نموذج للتنظيم ، فانه يفترض أن محاولات الضبط والتنظيم وتغيير المعرفة ينبغي أن تكون مرتبطة بأنشطة المراقبة المعرفية والتي تمد بالمعلومات عن التناقض النسبي بين هدف ما والتقدم الحالي تجاه ذلك الهدف . على سبيل المثال ، لو أن طالباً يقرأ نصاً في كتاب بهدف ” الفهم” ( وليس فقط مجرد الانتهاء من مهمة القراءة ) عندئذ فانه عندما يراقب فهمه فان عملية المراقبة يمكن أن تمد الطالب بمعلومات حول الحاجة إلى تغيير استراتيجية القراءة .

أحد المفاهيم المركزية في عملية ضبط وتنظيم المعرفة ما يسمى بعملية ” الانتقاء الفعلي ” Actual selection واستخدام الاستراتيجيات المعرفية المتنوعة للذاكرة والتعلم والاستدلال وحل المشكلات والتفكير . فقد أظهرت دراسات عديدة أن عملية انتقاء استراتيجيات معرفية مناسبة يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي على التعلم والأداء. وعلى الرغم من أن استخدام استراتيجيات متنوعة هو في الأساس عمل ” معرفي ” أكثر من كونه ” ما وراء معرفي ” ، إلا أن قرار استخدامها هو ما يعد جانباً من الضبط والتنظيم ما وراء المعرفي ، كما هو الحال عندما يقرر الفرد أن يتوقف عن استخدام استراتيجية ما وينتقل لاستخدام استراتيجية أخرى .

وفي أبحاث التعلم المنظم ذاتياً ، تم دراسة العديد من الاستراتيجيات المعرفية التي يستخدمها الأفراد لتساعد على الفهم والتعلم مثل: استراتيجيات الاسترجاع Rehearsal ، والإتقان Elaboration ، والتنظيم Organization ، استخدام التصور أو التخيل  Imagery، واستراتيجية فن تقوية الذاكرة Mnemonics ، إعادة الصياغة Paraphrasing ، و التلخيص Summarizing  ووضع مخطط تمهيدي Outline ،وضع مخطط عمل Network ، وضع رسوم بيانية Diagrams ، وأخذ الملاحظات Note taking .

4- رد الفعل والتأمل المعرفي: Cognitive reaction and reflection

تتضمن عمليات رد الفعل المعرفي أحكام وتقييمات المتعلمين لأدائهم على المهمة وكذلك عزوهم Their attributions للأداء . ويشير زيمرمان (Zimmerman, 1986) إلى أن الأفراد ذوي التنظيم الذاتي الجيد يقوِّمون أداءهم ، مقارنة بالمتعلمين الذين يتجنبون تقويم ذواتهم أو الذين يكونون غير واعين بأهمية تقويم الذات من حيث الأهداف الموضوعة للمهمة . كذلك فإن الأفراد ذوي التنظيم الذاتي الجيد أكثر احتمالا لأن يصنعوا عزواً توافقياً لأدائهم ، مثال ذلك العزو التوافقي عزو الفرد فشله لضعف المجهود المبذول أو لاستخدام استراتيجية غير مناسبة وليس بسبب ضعف القدرة . هذا النوع من العزو عادة ما ارتبط بالمعالجات المعرفية العميقة والإنجاز الأفضل (Pintrich & Schrouben, 1992) وكذلك مجموعة من المعتقدات الدافعية التوافقية .

 

ثانيا : تنظيم الدافعية والانفعال:    Regulation of motivation and affect

كما يمكن للمتعلم أن ينظم معرفته فانه يمكنه أيضاً تنظيم دافعيته وانفعاله . وتتضمن عملية تنظيم الدافعية والانفعال المعتقدات الدافعية المتنوعة التي نوقشت في أدبيات دافعيه الإنجاز مثل: توجه الأهداف Goal orientation وكفاءة الذات Self-efficacy ، والاهتمام الشخصي بالمهمة Personal interest ومعتقدات قيمة المهمة Task value beliefs ، والضبط الاختياري Volitional control  . ويمكن القول بأنه يوجد القليل حول ما يمكن أن يسمى ب ” ما وراء الدافعية ” Metamotivation والتي تتضمن وعي الطلاب ومحاولاتهم لضبط وتنظيم دافعيتهم .

  • التخطيط والتنشيط الدافعي: Motivational planning & Activation

تشتمل تخطيط وتنشيط الدافعية على أحكام الكفاءة وكذلك تنشيط المعتقدات الدافعية المتنوعة حول القيمة Value والاهتمام Interest . وفيما يتعلق بإحكام الكفاءة الذاتية، فقد أوضح باندورا (Bandura, 1997 ) أن أحكام الأفراد عن قدرتهم على أداء مهمة ما يكون لها نتائج على الجهد والإصرار  والأداء والتعلم ، فبمجرد أن يشرع المتعلم في مهمة ما، فان أحكام الكفاءة الذاتية يمكن أن تُعدل على أساس الأداء الفعلي والتغذية المرتدة وكذلك على أساس محاولات الأفراد تنظيم أو تغيير أحكام كفاءة الفرد One’s efficacy judgments .

وفي البحث المعرفي للذاكرة ، يمكن للأفراد عمل تحديات لمستوى صعوبة المهمة (مثل: إلى أي مدى سيكون من الصعب على الفرد أن يتذكر أو يتعلم المادة ) والتي تسمى في نموذج نيلسون ونارنز(Nelson & Narens, 1995) أحكام سهولة التعلم (EOL) Ease of learning judgments ، هذه الأحكام تعتمد على كل من المعارف ما وراء المعرفية للمهمة والمعارف ما وراء المعرفية للذات من حيث الأداء الماضي على المهمة .

وبالتوازي مع أحكام الكفاءة ، فان المتعلمين لديهم أيضاً إدراكات حول القيمة والأهمية التي تمثلها مهمة ما لهم ، وفي نماذج قيمة التوقع Expectancy Value فان معتقدات الفرد حول قيمة المهمة تتضمن ادراكات المناسبة Relevance والفائدة Utility , وأهمية المهمة The importance of the task , فلو اعتقد الطلاب في مناسبة أو أهمية أو فائدة المهام لأهدافهم المستقبلية بشكل عام فإنهم حينئذ سيكونون أكثر احتمالا أن يختاروا الاندماج في المهمة في المستقبل ومن وجهة نظر المتعلم المنظم ذاتيا فانه من المحتمل أن تنشط هذه المعتقدات مبكرا إما بطريقة شعورية أو غير شعورية، وذلك عندما يباشر المتعلم مهمة ما. النموذج الحالي للتعلم المنظم ذاتياً يفترض أن الطلاب يمكنهم تنظيم وضبط هذه المعتقدات حول القيمة .

وبجانب معتقدات القيمة ، فان المتعلمين لديهم ادراكات عن اهتماماتهم الشخصية في المهمة ( إعجاب أو شعور إيجابي نحو الرياضيات مثلا ) . ويقترح البحث في هذا المجال أن الاهتمامات الشخصية خاصية ثابتة لدى العزو ، ولكن هذا المستوى من الاهتمام يمكن أن ينشا ويمكن أن يتنوع طبقا للمظاهر السياقية والموقفية ، وهو ما يسمى بالحالة السيكولوجية للاهتمام The psychological state of interest .

وأخيرا فإنه مثلما يمكن أن يكون الاهتمام شعور توقعي إيجابي ، فإن المتعلمين يمكنهم أيضاً أن يتوقعوا مشاعر أخري أكثر سلبية مثل القلق Anxiety أو الخوف Fear ، وفي حقل التعلم الأكاديمي ، يمثل قلق الاختبار أكثر أشكال القلق انتشارا وأكثر دراسة من قبل الباحثين من حيث ارتباطهم بالتعلم والأداء .

2- مراقبة الدافعية :  Motivational monitoring

حقيقة لا يوجد الكثير من الأبحاث حول كيفية وعي الأفراد بواقعيتهم ووجدانهم ، كما هو الحال في الوعي والمراقبة لما وراء المعرفة ، وإن كانت متضمنة في البحث في محاولات الأفراد لضبط وتنظيم دافعيتهم وشعورهم ، ذلك أنه ، كما في البحث المعرفي ، فانه يمكن افتراض أن الأفراد لكي يضبطوا كفاءتهم أو قيمهم أو اهتمامهم أو قلقهم فانه سيكون من الواجب أن يكونوا واعين بهذه المعتقدات والمشاعر ويراقبوها إلى حد ما.

وغالباً ما يركز البحث في المدخلات لتحسين الدافعية على مساعدة الطلاب على أن يكونوا واعين بدوافعهم  وتوافقها مع المهمة ومع المطالب السياقية. على سبيل المثال في مجال أبحاث كفاءة الذات فان التركيز عادة ما يكون على أن يصبح الأفراد واعين بمستويات الكفاءة لديهم ، وبعد ذلك يكون التركيز على تغيير أحكام الكفاءة لديهم لتجعلهم أكثر دافعية وتكيفا  ( Bandura,1997 ) وكذلك الأبحاث في “الاستبقاء العزوي ” فإنها تحاول أن تساعد الأفراد على أن يصبحوا واعين بأنماط العزو غير التوافقية لديهم ، وعندئذ تعمل على تغييرها ( Peterson et al., 1993) . وفي هذا كله فان مراقبة الدافعية والانفعال تمثل مقدمة هامة لمحاولة ضبط وتنظيم الدافعية والشعور .

3- ضبط وتنظيم الدافعية : Motivational control and regulation

يوجد العديد من الاستراتيجيات التي يمكن للأفراد أن يستخدموها لضبط دافعيتهم ومشاعرهم ، وإن كانت ليس بالكثرة كما في المجال المعرفي . مثال ذلك محاولات ضبط كفاءة الذات من خلال استخدام ” حديث ذاتي إيجابي ” Positive self-talk (مثال: أعرف أنني قادر على أداء هذه المهمة) . ويمكن للطلاب أيضاً أن يزيدوا من دافعيتهم الداخلية المرتبطة بالمهمة بوعد أنفسهم بحوافز خارجية أو عمل أنشطة إيجابية معينة (مثل: اخذ قسط من الراحة ، مشاهدة التليفزيون ،الحديث مع الأصدقاء ….. ) بشرط إكمال مهمة أكاديمية. ويمكن للطلاب أيضاً أن يحاولوا زيادة دافعيتهم الداخلية نحو مهمة ما عن طريق جعلها أكثر متعة وتشويقا. وقد يحاولون زيادة قيمة المهمة ، وذلك بمحاولة جعلها أكثر مناسبة أو أكثر فائدة لخبراتهم الحياتية. وفي كل هذه الحالات فإن الطلاب يحاولون تغيير أو ضبط دافعيتهم كي يكملوا مهمة والتي ربما تكون مملة أو صعبة (Walters, 1998) .

وفي حالات أخرى ، يمكن أن يستخدم الطلاب استراتيجية إثبات الذات Self-affirmation والتي من خلالها يقلل الطالب من قيمة المهمة كي يحمي إحساسه بجدارة الذات Self-worth ، خاصة عندما يكون أداؤه على المهمة سيئاً ( Garcia & Pintrich, 1994 ) ، وذلك كأن يقول ” هذه المهمة لا تمثل شيئاً ذا أهمية بالنسبة لي ” أو الحط من قيمة المدرسة مقارنة بالمجالات الأخرى .

وفي حالات أخرى ، يمكن أن يستخدم الطلاب استراتيجيات التحدث للذات Self-talk لضبط الشعور السلبي والقلق ( مثل: لا تقلق بشان الدرجات الآن ، لا تفكر في السؤال الأخير اذهب إلى السؤال التالي) . كما يمكنهم استحضار مشاعر سلبية مثل الشعور بالذنب Guilt أو الخجل Shame ليدفعهم ذلك للمثابرة في المهمة (Corno,1989 ) .ويمثل “التشاؤم الدفاعي” Defensive pessimism استراتيجية دافعية أخرى يستخدمها الطلاب لتسخير الشعور السلبي والقلق من الأداء السيئ لدفعهم لزيادة الجهد والأداء بطريقة أفضل (Garcia & Pintrich,1994) . كذلك “الإعاقة الذاتية” Self-handicapping ، على العكس من التشاؤم الدفاعي ، فهي تتضمن تقليل الجهد ” تقليل المذاكرة أو عدم المذاكرة ” أو المماطلة أو التسويف (المذاكرة المتعجلة في اللحظة الأخيرة استعدادا للامتحان) كي يحمي إحساسه بالجدارة، وذلك بعزوه النتائج التي من المحتمل أن تكون سيئة لمجهوده المنخفض وليس لضعف قدرته .

4- رد الفعل والتأمل الدافعي: Motivational reaction & Reflection   

بعد إكمال الطالب لمهمة ما يتكون لديه ردود فعل حول النتائج (مثل السعادة بالنجاح أو الحزن للفشل) ، إضافة إلى التأمل أو التدبر في أسباب هذه النتائج ، وهذا هو ما يصنع عزو النتائج. يتلو أنماط العزو المختلفة خبرة من المشاعر أكثر تعقيدا. وعندما يفكر الطالب ملياً في أسباب أدائه فان كلا من جودة العزو وجودة المشاعر التي يخبرها الفرد تكون نتائج هامة لعملية تنظيم الذات، فالأفراد يمكنهم أن يضبطوا أنماط عزوهم بطريقة فعالة كي يحموا إحساسهم بجدارة الذات ودافعيتهم للمهام المستقبلية .

وأخيرا فان هذه التأملات وردود الأفعال يمكن أن تقود إلى تغير في المستويات المستقبلية لكفاءة الذات والتوقع للنجاح المستقبلي ، وكذلك القيمة والاهتمام . وفي هذه الحالة ، فان هذه التغيرات الممكنة في الكفاءة والقيمة والاهتمام تتدفق عائدة إلى المرحلة الأولى لتصبح مدخلا لمستوى المعتقدات الدافعية التي يستحضرها الطالب معه عند أداء مهمة جديدة .

 

ثالثا : تنظيم السلوك :     Regulation of behavior

يعتبر تنظيم السلوك جانبا من التنظيم الذاتي والذي يتضمن محاولات الأفراد لضبط سلوكياتهم العلنية أو الصريحة. هذا على الرغم من أن بعض الباحثين لا يضمنونه في نماذجهم بحجة أن السلوك ليس جزءا من الذات .وعلى العكس من ذلك فإن الإطار المقدم هنا يتبع النموذج الثلاثي للمعرفة الاجتماعية Social Cognition الذي قدمه كل من باندورا وريمرمان (BAndura, 1986; Zimmerman, 1989)  حيث يمثل السلوك جانباً من الشخصية وإن لم يكن جزءاً من الذات التي تمثل بواسطة المعرفة والدافعية والانفعال، ومع ذلك فإن ما يلاحظ جيداً أن الأفراد يمكنهم ملاحظة سلوكهم الخاص وضبطه وتنظيمه بما يعتبر في حد ذاته تنظيميا ذاتياً.

1- التخطيط والتنشيط السلوكي: Behavior forethought, planning and activation

أظهرت نماذج التخطيط القصدي والسلوك التخطيطي أن تشكيل المقاصد أو الأغراض يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالسلوك الناتج في عدد من المجالات المختلفة. وفي حقل التعلم الأكاديمي ، يرتبط تخطيط أو إدارة الوقت والجهد بالأنشطة التي يمكن تضمينها في هذا الجزء . وتشتمل إدارة الوقت Time management  عمل جدول للمذاكرة وتحديد وقت للأنشطة المختلفة . وكز من إدارة الوقت ، فان الطلاب ذوي التنظيم الذاتي الجيد يمكنهم أن يصنعوا قرارات ويشكلوا أهدافاً حول الكيفية التي سيوزعون بها جهودهم وكثافة أعمالهم. على سبيل المثال ، يمكن أن يخطط الطلاب بشكل منتظم أن يدرسوا ساعتين كل ليلة خلال السنة الدراسية ، ولكن مع اقتراب نهاية السنة فإنهم يقررون زيادة الجهد والوقت المخصص للدراسة .

وقد ناقش زيمرمان (Zimmerman,1998,2000) كيف يمكن أن يلاحظ الأفراد سلوكهم من خلال طرق متنوعة ، وكيف يستخدمون هذه البيانات لضبط وتنظيم سلوكهم . على سبيل المثال قد يسجل الكتاب عدد الصفحات التي يكتبونها في اليوم ، ويسجلون هذه البيانات خلال أسابيع وشهور وسنين، وكي تحدث تلك الطرق للملاحظات الذاتية فان بعض التخطيط يجب أن يكون متضمناً لتنظيم حفظ هذه التسجيلات السلوكية . وتقترح العديد من برامج استراتيجيات التعلم بعض أشكال التسجيلات والملاحظات السلوكية المرتبطة بالدراسة والتي تقدم معلومات مفيدة للمحاولات المستقبلية لتغيير عادات التعلم والدراسة. مرة أخرى فإن تنفيذ طرق الملاحظات الذاتية تتطلب بعض التخطيط والقصد لتنفيذها أثناء أنشطة التعلم.

2- المراقبة والوعي السلوكي : Behavioral monitoring awareness

في المرحلة الثانية يمكن للطلاب أن يراقبوا إدارة أوقاتهم ومستويات جهودهم ، كما يمكنهم محاولة تعديل جهودهم لتتلاءم مع المهمة. على سبيل المثال في المرحلة الأولى قد يخطط الطلاب لقضاء ساعتين فقط لقراءة فصل في كتاب ، ولكن ما إن يبدأون في القراءة حتى يتبين لهم أنه أصعب مما تصوروا من قبل، وأنه سيتطلب وقتاً أطول أو جهداً اكبر لفهم هذا الفصل . كما أنهم قد يدركون أنهم على الرغم من أنهم حددوا ساعتين لقراءة الفصل في المكتبة ، فإنهم قضوا ساعة من هاتين الساعتين في حديثهم مع الأصدقاء الذين كانوا يدرسون معهم . بالطبع هذا النوع من المراقبة يجب أن يقود لمحاولة ضبط أو تنظيم جهودهم ( مثل: تحديد وقت أطول ، عدم المذاكرة مع الأصدقاء) هذا النمط من مراقبة السلوك غالباً ما يدعم بواسطة إجراءات رسمية للملاحظة الذاتية ( مثل الاحتفاظ بسجل لأوقات الدراسة والملاحظات اليومية للأنشطة ) . كل هذه الأنشطة سوف تساعد الطلاب على أن يصبحوا واعين ومراقبين لسلوكهم ، وهذا من شأنه أن يمدهم ببيانات يمكن استخدامها فيما بعد في ضبط وتنظيم السلوك .

3- ضبط وتنظيم السلوك : Behavioral control and regulation

يوجد العديد من استراتيجيات ضبط وتنظيم السلوك . أحد جوانب الضبط السلوكي يتضمن المثابرة أو الإصرار العام والذي يعتبر مقياساً كلاسيكياً يستخدم في دراسات دافعية الإنجاز كمؤشر للدافعية. فعادة ما يحض الطلاب أنفسهم على المثابرة من خلال الحديث الذاتي (استمر في المحاولة ، سوف تصل إلى الهدف) أو أنهم قد يستسلمون إذا كانت المهمة صعبة للغاية . مرة أخرى ، يحدث ذلك اعتماداً على أهدافهم وأنشطة المراقبة .

وتتضمن استراتيجيات الدافعية التي سبق ذكرها (التشاؤم الدفاعي والتعويق الذاتي) محاولات لضبط القلق والإحساس بجدارة الذات ، ولكنها أيضاً لها تضمينات مباشرة من أجل زيادة الجهد (التشاؤم الدفاعي) أو تقليص الجهد (التعويق الذاتي) ، وهي استراتيجيات تعتبر في حد ذاتها استراتيجيات مناسبة لجهود الضبط السلوكي . أحد جوانب ” التعويق الذاتي ” يتمثل في المماطلة أو التسويف Procrastination والتي هي بالتأكيد سلوكية في طبيعتها من حيث ترك الدراسة أو المذاكرة من أجل امتحان أو كتابة بحث في الدقيقة الأخيرة . ولأن الجهد والمثابرة من أكثر المؤشرات العامة للدافعية ، فإن معظم الاستراتيجيات السابقة سيكون لها تضمينات مباشرة لسلوكيات الجهد والمثابرة .

أحد الاستراتيجيات السلوكية التي يمكن أن تكون مساعدة جدا للتعلم تتمثل في “طلب المساعدة ” Help seeking ويبدو أن الطلاب ذوي التنظيم الذاتي الجيد يعرفون متى ولماذا وممن يطلبون المساعدة . وطلب المساعدة يمكن أن تكون استراتيجية مستقلة للطلاب الذين يسعون إلى الوصول إلى الإجابة الصحيحة بدون بذل جهد كبير أو الذين يأملون أن يكملوا المهام بسرعة بدون فهم كبير أو كاف. وفيما يتعلق بهذا الهدف للتعلم والفهم ، فإن طلب المساعدة قد يمثل بشكل عام استراتيجية سيئة التكيف ، هذا على العكس من طلب المساعدة التكيفية والتي يركز فيها الفرد على التعلم ، ويطلب فيها المساعدة فقط للتغلب على جزء صعب معين من المهمة .

4- رد الفعل والتأمل السلوكي : Behavioral reaction & Reflection

عملية التأمل هي بالدرجة الأولى عملية معرفية ، وربما ليس هناك تدبر أو تأمل سلوكي بحد ذاته . على أية حال ، فكما يمكن أن يكوِّن الطلاب أحكاماً أو يتأملوا معالجاتهم المعرفية أو الدافعية ، فإنه يمكنهم كذلك تكوين أحكام حول سلوكهم فربما يقررون أن المذاكرة التسويقية لامتحان ما قد لا يكون سلوكا توافقياً للتحصيل الأكاديمي . وفي المستقبل يمكنهم أن يحددوا اختياراً مختلفاً من حيث إدارتهم للوقت والجهد . وبالتأكيد فإنه فيما يتعلق برد الفعل فإن السلوك الأساسي يتمثل في الاختيار ، فالطلاب قد يقررون ليس فقط تغيير إدارتهم للوقت والجهد في المستقبل ، ولكن أيضاً يمكنهم أن يصنعوا اختيارات حول نوع المقررات التي سيدرسونها أو يختارونها. هذا السلوك الاختياري يؤدي إلى انتقاء سياقات مختلفة ، وهذا يقودنا إلى الجزء الأخير .

 

رابعا : تنظيم السياق: Regulation of context

بعض النماذج لم تُضمِّن أنشطة تنظيم السياق في نماذجها لـ SRL بدعوى أن السياق ليس جزءا من الذات ، ولان ذات الشخصية النشطة هي التي تحاول ضبط ومراقبة وتنظيم السياق ، فإنه يبدو من المقبول ، بل من المهم أن تضمن هذا الأنشطة في نموذج التعلم المنظم ذاتيا .

1- التدبر والتخطيط والتنشيط السياقي :

هذا الجزء يحتوي على ادراكات الفرد للمهمة والسياق ، هذا الجزء وضع بين الأقواس في جدول (1) لان هذه الإدراكات هي في الواقع معرفة Cognitions ، ولكن تركيز الإدراكات فيها خارجياً Outward بعيد عن معرفة الفرد أو دافعيته . في سياق الفصل الدراسي Classroom ، يمكن أن تكون هذه الإدراكات حول طبيعة المهام من حيث قواعد الفصل لإكمال المهمة ( الإجراءات التي تستخدم لعمل مهمة ما ، مثل: العمل مع الآخرين هل هو عمل مسموح به أو أنه يعتبر غشاً). هذا بالإضافة إلى المعلومات العامة حول أنماط المهام والتدريبات الفصلية للتصنيف في الفصل.

إضافة إلى ذلك فان إدراكات القواعد الفصلية والمناخ الفصلي تمثل جوانب هامة لتنشيط معارف الطلاب حول البيانات السياقية. على سبيل المثال: عندما يدخل الطلاب الفصل فإنهم قد ينشطون معارف حول القواعد العامة ( غير مسموح بالكلام ، العمل مع الآخرين غش ، المعلم دائما لديه الإجابة الصحيحة ، الطلاب غير مسموح لهم بالكثير من الاستقلالية أو الحكم أو الضبط الذاتي) والتي يمكن أن تؤثر على طريقة فهمهم للتعلم الفصلي والتعلم بشكل عام . هناك جوانب أخرى من المناخ الفصلي ، مثل دفئ المعلم والحماسة والمساواة Equity والعدالة Fairness بين جميع الطلاب (عدم التحيز على أساس الجنس أو العرق ) كل هذا يمكن أن يكون ادراكات أو معتقدات هامة يمكن أن تنشط عندما يدخل الطلاب الفصل ( Pintrich & Schunk,1996 ) بالطبع يمكن أن تكون هذه الإدراكات صادقة كما أنه من المحتمل أن يسئ الطلاب إدراك السياق الفصلي بسبب تنشيطهم أشكال نمطية Stereotypes دون التأمل أو التفكير في الطبيعة الفعلية للفصل ، وفي كل الأحوال ، فان هذه الإدراكات سواء أكانت حقيقية أم غير حقيقية ، تقدم فرصاً لمراقبة وتنظيم السياق.

2- المراقبة السياقية : Contextual monitoring

في الفصل ، تماماً كما في العمل والمواقف الاجتماعية ، فإن الأفراد لا يكونون أحراراً في فعل ما يشاءون حيث النظام الاجتماعي الذي يفرض قيوداً متنوعة تؤثر في سلوك الأفراد ، ولو أنهم كانوا غير واعين بذلك فإنهم سيكونون أقل قدرة على العمل بطريقة جيدة في الفصل. إن عملية الوعي والمراقبة لقواعد الفصل ومتطلبات المهام ومفاهيم الحوافز والسلوك العام للمعلم هي جميعها هامة للطلاب كي يؤدوا بطريقة حسنة في الفصل . فلو أن الطلاب على سبيل المثال لم يكونوا واعين بأن التفكير الأصيل يكون هاماً في كتابة التقرير ، وليس مجرد اختصار أو تلخيص المواد من الكتب والمراجع ، فإنهم سيكونون أقل احتمالا لأن يعدلوا سلوكهم كي يكون متماشياً مع هذه المتطلبات.  وكثيراً ما يلاحظ أن الطلاب الجدد في الجامعة يواجهون صعوبة في السنة الأولى لأنهم لم يعدلوا أو يراقبوا إدراكاتهم مع استراتيجيات التعلم الجامعي .

3- الضبط والتنظيم السياقي : Contextual control & Regulation

قد يكون الضبط السياقي أكثر صعوبة من ضبط المعرفة والدافعية والسلوك ، لأنها لا تكون دائما تحت سيطرة الفرد المباشرة . وعلى أية حال فان بعض نماذج الذكاء العام (e.g., Sternberg, 1985) تتضمن محاولات الفرد لتشكيل أو التوافق مع ضبط البيئة كأحد جوانب السلوك الذكي. وتشتمل معظم نماذج التعلم المنظم ذاتياً على استراتيجيات تشكيل وضبط وبناء بيئة التعلم كاستراتيجيات هامة لتنظيم الذات ( Zimmerman,1980 ) .

وفي بيئة الفصل الدراسي التقليدي ، يقوم المعلم بضبط معظم جوانب المهام والسياق ، ولذلك يوجد فرص ضئيلة للطلاب للاندماج في الضبط والتنظيم السياقي . على أية حال فإن الطلاب غالباً ما يمكنهم محاولة مناقشة متطلبات المهمة (مثل: هل يمكننا كتابة 5 صفحات بدلا من 10 ؟ هل يمكننا استخدام الكتب في الامتحان ؟ ) وذلك لجعل المهمة أبسط وأسهل. هذه المناقشة تمثل إحدى محاولات الطلاب لضبط وتنظيم المهمة والبيئة حتى في الفصول التي يمارس فيها المعلمون مستويات عالية من الضبط .

أما في الفصول المتمركزة حول الطالب، فانه عادة ما يطلب من الطلاب أن يفعلوا الكثير من الضبط والتنظيم للمهام الأكاديمية، حيث غالباً ما يطلب منهم تصميم مشروعاتهم وتجاربهم الخاصة، وكيفية جمعهم البيانات، وتأدية المهام ، وتطوير قواعد للفصل من أجل المعالجة والتفكير ، وحتى العمل سوياً مع المعلم لتحديد كيف سيقيمون المهام. هذا النمط من الفصول يتيح بطريقة واضحة قدراً كبيراً من الاستقلال والمسئولية للطلاب، فهي تقدم فرصاً متعددة للتنظيم والضبط السياقي. بالطبع فإن هذا لا يعني أن جميع الطلاب سيكونون قادرين على تنظيم مهام التعلم وسياق الفصل. وخاصة أولئك الطلاب في السنوات الابتدائية المبكرة، ولكن هذه الأنماط من الفصول تلقي الضوء على الأنماط الكامنة للتنظيم السياقي والتي تكون ممكنة في البيئة الفصلية.

وفي التعليم بعد الثانوي، فان الطلاب يكون لديهم جدية أكبر لبناء بيئاتهم التعليمية، فالكثير من التعلم يحدث خارج قاعات المحاضرة، وعلى الطلاب أن يكونوا قادرين على ضبط وتنظيم بيئة الدراسة (البعد عن مصادر الإزعاج، تحديد مكان معين للمذاكرة). وقد ناقش زيمرمان (Zimmerman, 1980) كيف يحاول الكتاب، واللاعبون الرياضيون، والموسيقيون ممارسة الضبط السياقي عبر بيئاتهم ببنائها بالطرق التي تسهل تعلمهم وأدائهم.

4- رد الفعل والتأمل السياقي:

وأخيراً ، وفيما يتعلق بالتأمل ورد الفعل السياقي ، فإن الطلاب يمكنهم عمل تقييمات عامة للبيئة الفصلية. هذه التقييمات يمكن أن تحدث على أساس ” المتعة العامة ” General enjoyment، وكذلك على أساس مزيد من المعايير المعرفية المتعلقة بالتعلم والتحصيل. وفي بعض الفصول المتمركزة حول الطالب، فإنه يوجد وقت محدد للتفكير العرضي فيما هو فعال ليس بفعال في الفصل من حيث ردود أفعال المعلم والطالب (Brow, 1997) . وكما هو الحال مع المعرفة والدافعية والسلوك فإن هذه التقييمات يمكن أن تحدث تغذية مرتدة في مكونات المرحلة الأولى عندما يتعامل الطالب مع مهمة جديدة.

 

عن admin

شاهد أيضاً

آفاق التعليم الرقمي: استكشاف حدود استخدامات الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين والروبوتات (OECD 2021)

ترجمة د. أسامة محمد إبراهيم أستاذ علم النفس التربوي – جامعة سوهاج مقدمة عندما أغلقت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You cannot copy content of this page