أكدت هذه الدراسة الطويلة التي نشرتها جمعية علم النفس الأمريكية في مجلة علم النفس النمائي Developmental Psychology أن الأطفال الذين يعانون من مشكلات في الانتباه والسلوك يكونون أكثر ميلًا إلى ضعف التحصيل الدراسي ومن ثم يقضون سنوات أقل في المدرسة، وعندما يكبرون يعانون من بعض المشكلات المتعلقة بالصحة النفسية والجسدية، وغالبًا يكون دخلهم المادي أقل، وذلك مقارنة بالأطفال الذين لا يظهرون مشاكل في الانتباه والسلوك المبكر. كما أظهرت الدراسة أن الأطفال الذين يعانون من السلوك الاندفاعي يكون أكثر عرضة للوقوع في مشكلات مع القانون.
وقد جاءت هذه الدراسة لتؤكد نتائج دراسة نُشرت في عام 2011 والتي أجريت على عينة واسعة من الأطفال في دنيدن ، نيوزيلندا، في أوائل السبعينيات من القرن الماضي وتم متابعتهم على مدار العقود الثلاثة التالية. وأظهرت هذه الدراسة المبكرة أدلة طويلة المدى على أن مشاكل ضبط النفس في مرحلة الطفولة ترتبط ارتباطًا مباشرًا بعدد من النتائج السلبية في مرحلة البلوغ.
شملت هذه الدراسة بيانات من مجموعتين كبيرتين من المشاركين في المملكة المتحدة والولايات المتحدة. ضمت مجموعة المملكة المتحدة أكثر من 15000 مشارك في الدراسة الوطنية لتنمية الطفل، وجميعهم عاشوا في إنجلترا أو اسكتلندا أو ويلز ، وولدوا خلال أسبوع واحد في عام 1958، وتم متابعتهم حتى سن 42 عامًا. وضمت المجموعة الأمريكية 1168 مشاركًا، الذين ولدوا عام 1991 في 10 مستشفيات في جميع أنحاء الولايات المتحدة وتم تتبعهم حتى سن 26 عامًا. وقام الباحثون بتحليل البيانات ووجدوا نتائج متشابهة جدًا لدراسة دنيدن، حيث وجدت ارتباط مشكلات الانتباه والسلوك في مرحلة الطفولة بمجموعة واسعة من النتائج السيئة في مرحلة البلوغ. كما وجدوا أدلة على أن مشكلات ضعف الانتباه تتنبأ بتحصيل تعليمي أقل، كما تنبأت مشكلات السلوك الاندفاعي بتورط أكبر في قضايا العدالة الجنائية.
تدعم نتائج هذه الدراسة فكرة أن الخبرات والمهارات المبكرة التي يتعلمها الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة تكون مهمة للغاية عند بلوغهم سن الرشد، بعض النظر عن المتغيرات الحياتية التي تتلو هذه الفترة. وعلى الرغم من أن هذه الدراسة أجريت في بلدان محددة، إلا أن ما توصلت إليه من نتائج مهمة يتناغم مع أدبيات البحث في مجال “اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه”، هذا الاضطراب الذي يعاني منه حوالي 5 إلى 7 % من الأطفال، يصيـب مختلف الأطفال في مختلف البيئـات حـول العـام.
تقدم هذه الدراسة دليلاً قوياً على زيادة تعرض الأطفال الذين يعانون من مشاكل الانتباه والسلوك لنتائج سلبية في مرحلة البلوغ. وتؤكد النتائج أيضًا على أهمية تطوير التدخلات القائمة على الأدلة لمساعدة الأطفال والمراهقين في قضايا الانتباه والسولك الاندفاعي لمساعدتهم على تحقيق إمكاناتهم الكاملة في مرحلة البلوغ.
بالنسبة للآباء المعنيين، من المهم أن ندرك أنه على الرغم من هذا الخطر المتزايد للنتائج السلبية، فإن معظم الأطفال الذين يعانون من مشاكل في الانتباه والسلوك لم يواجهوا مشاكل خطيرة في مرحلة البلوغ. على سبيل المثال، 95٪ ممن يعانون من مشاكل في الانتباه والسلوك في مرحلة الطفولة لم يكن لديهم مشاكل مع القانون. ويشير نتائج البحث الخاص بالعينات الكندية إلى أن العديد من الأطفال المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه يزدهرون في مرحلة البلوغ.
هذه النتائج لها تضمينات مهمة لكل من الآباء والمعلمين بشكل عام، فمن الضروري التعرف على هذه المشكلات في وقت مبكر، ومن ثم تحديد طرق لمساعدة الأطفال على تطوير المهارات اللازمة لإدارة انتباههم وسلوكهم في مرحلة مبكرة جدًا، وهذا من شأنه أن يعود عليهم بفوائد حقيقية ويضعهم على طريق النجاح. على سبيل المثال، من المهم أن يعنى المربين بشكل عام بإكساب الأطفال أنماط تعليمية من شأنها أن تساعد في تقليل أعراض اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، وفهم أهمية التغذية الجيدة والممارسات الصحية، والحاجة إلى التخلص من المواد السامة لنمط الحياة، والآثار الصحية لمشاهدة التلفاز فترات طويلة والحاجة إلى تربية جيدة وكيف يؤثر الطعام على السلوك، وتحديد الأطعمة التي يجب تناولها وتلك التي يجب تجنبها، وفهم النظام الغذائي الآمن وكيف يمكن أن يساعد في تحسين أعراض اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه. ومن المهم أيضا أن يتعرفوا على العلاجات البديلة الطبيعية والتمارين العملية لمساعدة الأطفال على التركيز والتعامل مع اضطرابهم من خلال تقوية وظائف الدماغ، مما يساعدهم على تحسين التعلم والسلوك بشكل فعال بدون اللجوء إلى أدوية.
ٍSource:
https://www.apa.org/pubs/journals/releases/dev-dev0001533.pdf?fbclid=IwAR1Fl2kgGi1KCtddhNT42qw0OWOwUaBu4yYONE5-qQhPzgNDiOapnzzpj_U
