الرئيسية / الموهبة والإبداع / هل المدارس الانتقائية أفضل مكان للطلاب الموهوبين؟

هل المدارس الانتقائية أفضل مكان للطلاب الموهوبين؟

ترجمة: أ. د. أسامة محمد إبراهيم

أستاذ علم النفس التربوي – جامعة سوهاج

ذات مرة، بعد انتهاء حصة الأدب بالصف الحادي عشر،  أعادت المعلمة إلينا أوراق المهام، وجذبتني جانبا وقالت لي إن ورقتي هي الأفضل بين الطلاب في الفصل، ولكنها مع ذلك كانت تعلم أنها لم تكن أفضل أعمالي على الإطلاق. وهذا هو سبب حصولي على تقدير جيد (B).

إنها نعمة متداخلة أن تنعت بأنك “موهوب”. فمنذ بداياتي في المدرسة الابتدائية فما بعدها، كنت اختار بشكل متكرر لحضور دروس مجدولة للعمل على ألغاز أو قصص أو أعمال فنية. هذا منحني فرصا للتحدي كسرت من رتابة العمل المدرسي الممل، كما وضعني تحت ضغط متناقض –أن تكون مميزا حقاً، ولكن أيضا أن تهدأ بشأن أنه لن يطلق عليك لقب “دحيح” Nurd.

يُعرَّف الطلاب الموهوبين بأنهم أولئك الذين لديهم إمكانات عقلية وإبداعية كبيرة، ولكن تحديد هذه الموهبة بواسطة المعلمين على هذا النحو ليس ميزة بسيطة؛ فهي في كثير من الأحيان تكون مصحوبة أيضا بتحديات اجتماعية وعاطفية.

في خطوة لتناول بعض من هذه التحديات، اتخذت “حكومة ولاية فيكتوريا” خطوات لإعطاء الطلاب الموهوبين في المجتمعات الإقليمية فرصاً تعليمية جديدة من خلال إنشاء أكاديمية داخلية بها (40 مكانا ) في ملبورن، حيث يمكن للطلاب الإقامة فيها والحضور من إحدى المدارس الانتقائية[1] في المدينة.

قال وزير التعليم جيمس ميرلينو “إن الحكومة تريد ضمان حصول طلاب الأقاليم على فرصة الوصول إلى موارد التعليم الممتازة التي توفرها المدارس الانتقائية للالتحاق”. ويقول الخبراء إن هذا التيسير سيكون مفيداً لبعض الأطفال، الذين لا يحصلون على الدعم الذي يحتاجون إليه في المدارس العادية في ظل ظروف ضعف الموارد. بل إنهم أيضا يحذرون من أن المدارس الانتقائية ليست بالضرورة مناسبة لجميع الطلاب الموهوبين نظراً لأنها تغرس التنافس الشديد والقلق بشأن الأداء الأكاديمي، مما قد يؤدي إلى مشكلات مرتبطة الصحة العقلية للطلاب.

قال جون بيلي، مستشار التعليم والمقررات الأكاديمية في جامعة كورتين، “أية بي سي نيوز”: “قد يزدهر الطلاب الموهوبين بشكل استثنائي  في المدارس الانتقائية، ولكن في الوقت نفسه قد يعانون بشكل مرهق في تعاملهم مع الوضع الذي يجدوا أنفسهم فيه”.

 

هل لدى الطلاب الموهوبين ‘احتياجات خاصة’ Special Needs؟

بالطبع، إن أفضل طريقة لتعليم الأطفال الموهوبين هي قضية مثيرة للجدل. كانت فكرة بناء منشأة من هذا النوع للأطفال الموهوبين قضية رئيسية للنقاش على جدول الأعمال طوال السنوات الـخمس عشرة الماضية خلال الانتخابات وتساؤلات التعليم، والآن فقط بدأت هذه الدعوة تؤتي ثمارها.

بشكل عام، قال السيد بيلي “إن مفهوم التعليم المدمج هو غالباً ما يؤيده أولئك الذين يعارضون فكرة المدارس الخاصة أو الانتقائية”.

لماذا، يطلبون؟ هل ينبغي أن نميِّز هذه الفئة من السكان بالقدرة على الوصول إلى ما يمكن أن يكون مدارس جيدة ومميزة، ومحترفة أو جيدة التأسيس؟

، تقول لورا بيري، كبير المحاضرين في مجال التعليم في جامعة مردوخ، ” في الواقع، ينبغي أن يكون في أستراليا عدد أقل من المدارس الانتقائية، لأن نظم التعليم الأكثر إنصافاً تكون أقل احتمالاً لإعادة إنتاج الفوارق الاجتماعية”.

هذه المناقشات مهمة، لكن من المهم أيضا النظر في ما هو أفضل للطلاب الموهوبين أنفسهم.

على الرغم من أنه من السهل أن نرى هؤلاء الطلاب كمحظوظين في النظام التعليمي، فإنهم أيضا لديهم احتياجات تعليمية خاصة إلى الحد الذي جعل السيد بيلي يفهم أنهم ينتمون إلى مجموعة فرعية من الطلاب ذوي “الاحتياجات الخاصة”.

دون التحفيز الفكري، على سبيل المثال، فإن هؤلاء الأطفال سيصبحون غير مندمجين disengaged.

ترى رئيسة جمعية فيكتوريا لرعاية الأطفال الموهوبين نيكولز جيرالدين “أية بي سي نيوز: “أن المشكلات تنشأ عندما تتوقف المناهج المقررة حاليا عن تقديم تحدي مناسب أو لا تكون ذات مغزى على نحو ملائم”.

أضاف مستر نيكولس، نتيجة لعدم الاندماج فإن “[الطلاب الموهوبين] أيضا يواجهون خطر المعاناة من سوء الصحة العقلية و/أو وخطر الانقطاع عن الدراسة (التسرب).”

أنا أعرف من التجربة كيف تبدو ظاهرة عدم الاندماج. أنها تمثل فقد أيام المدرسة لأنه لا يمكنك ملاحظة هذه الظاهرة.

يحدق من النافذة لمدة ساعة، ويلعب بالآلة الحاسبة أثناء الحصة، أو حتى يشتت انتباه الطلاب الآخرين …. وبدلاً من الاستفادة من معارفه ومهاراته الخاصة، فهو يقضي يوما بعد يوم  وهو يشعر بملل مريع.

 

كيف يمكن للمدارس أن تدعم الأطفال الموهوبين على نحو أفضل؟

قد يعاني الطلاب الموهوبون أيضا من الشعور بالعزلة.

قال السيد بيلي “الأطفال، بحاجة إلى أقران يتشاركون معهم، لا سيما المراهقين منهم”.

“غالباً ما يجد الطلاب ذوو الموهبة العالية جداً أنفسهم مندمجين مع الطلاب الأكبر سنا أو المعلمين – ببساطة- لكي يحصلوا على مستوى مناسب من المحادثة والتفاعل والتحفيز الفكري والقبول الذي يحتاجون إليه.”

وتزداد عزلة هؤلاء الطلاب في الواقع كمتلازمة الخشخاش طويل القامة.

تشير الطلبات المقدمة إلى ولاية فيكتوريا عام 2011 للجنة تحقيق برلمانية في تعليم الطلاب الموهوبين، إلى العديد من الطلاب الموهوبين الذين يخفضون من قدراتهم لتجنب تعرضهم للتنمر من زملاء الدراسة.

قال السيد بيلي: “من أجل تقديم الدعم الكافي لـ 10% من الطلاب الذين يعتبرون موهوبين، تحتاج المدارس إلى سياسات متخصصة، وإلى تدريب في مجال تعليم الموهوبين. ولكن ليس كل المدارس يمكنها الوصول إلى هذه الموارد”.

من تجربته الخاصة يرى السيد بيلي: إن بعض فرق الإدارات المدرسية، لا تعتقد أنه من المهم تلبية احتياجات الطلاب الموهوبين. بيد أن المدارس الانتقائية، يمكن أن تمثل أفضل اختيار لتعليم الطلبة الموهوبين.

قال السيد بيلي: “لديهم مجموعة أقران، وأهداف وتوقعات، ونأمل أن يكون لديهم معلمون مؤهلون بالمهارات والمعرفة والاتجاهات المناسبة.

يروي بيلي تجربة صديق انتقل من مدرسة ابتدائية إقليمية عادية إلى مدرسة ثانوية انتقائية في غرب سيدني.

قال صديقي: “كانت أحد مزايا المدرسة التي ذهبت إليها أن [الطلاب] الذين ربما كانوا منبوذين أو واقعين تحت التهديد كـ “دحاحين” لم يحصلوا على الكثير من هذه المعاملة التي – فيما أعتقد – تعود إلى حد ما إلى الانتقائية في المدرسة”.

وقال مستر نيكولز “لا يعرف الكثير عن تكيف الطلبة بين المدارس العادية والانتقائية”.

ومع ذلك، ربما  يكون هناك “تأثير الأسماك الكبيرة في البركة الصغيرة[2]“، الذي يمكن أن يتسبب في شعور الطلاب الموهوبين الطلاب بثقة أقل في قدراتهم.

وقال نيكولز إن “انخفاض مفهوم الذات الأكاديمية قد يحدث عندما يتم وضع الطلاب الموهوبين في أماكن مع غيرهم من الطلاب الموهوبين أو متشابهين معهم في القدرة”.

 

في بعض السياقات الانتقائية، هناك ضغط حقيقي

ذكرت “صحيفة سيدني مورنينج هيرالد” مؤخرا إنه “على الرغم من كونها مدارس متقدمة أكاديمياً، فإن المدارس الانتقائية تدفع الطلاب للحاجة إلى الإشراف الخاص”.

لقد عملت مرشدا بنفسي، ومعظمهم طلابي كانوا من أعلى الطلاب أداءً في المدارس.

لم يكن هدفهم من الحاجة للإشراف (التدريس الخاص) هو التغلب على الصراعات – بل كان من أجل تحقيق أعلى الدرجات.

وحين استمتع بعض الطلاب بتحدي المنافسة، بعضهم كان مشدوها من القلق.

ذكرت الصحفية ومؤلفة “الإخفاقات الجميلة”، لوسي كلارك، أن التركيز على المنافسة الأكاديمية – التي زادت على مدى الجيل الماضي – قد أدى إلى معدلات عالية من الاكتئاب والقلق بين الطلاب.

في أستراليا يقدر أن واحداً من بين 16 شخصا تتراوح أعمارهم بين 16 و 24 مرَّ بخبرة الاكتئاب، وواحد من كل ستة يعيشون في حالة قلق.

في عام 2015، في الدراسة المسحية السنوية للشباب في أستراليا، ذكر الشباب الصغار التعامل مع مشاكل الإجهاد والمدرسة أو الدراسة كأكثر ما يشغلهم.

صديقة آخرى، تريش ماي، شهدت هذا التأثير في مدرستها الانتقائية في سيدني.

أخبرتني ماي: “عندما بدأت لأول مرة هناك استغرق مني فترة طويلة لأتكيف مع الوضع لأنني كنت قد أعتدت تلقائياً أن أكون الأولى في كل شيء”.

“أتذكر أنني كنت حزينة جداً، أفكر أنني كنت غبية لأني لم أكن أهزم الجميع في الرياضيات”.

 

http://www.abc.net.au/news/2017-02-26/are-selective-schools-the-best-place-for-gifted-students/8296082

 

[1] المدرسة الانتقائية selective school   هي المدرسة التي تقبل الطلاب على أساس نوع من معايير الاختيار، عادة ما تكون أكاديمية. قد يكون المصطلح له دلالات مختلفة في النظم التعليمية المختلفة. والمقابل لهذه المدارس هي المدرسة الشاملة أو العامة التي تقبل جميع الطلاب، بغض النظر عن الكفاءة أو الاستعداد. التقسيم بين التعليم الانتقائي والشامل يحدث بالأساس في رحلة التعليم الثانوي؛ ونادرا ما يحدث في التعليم الابتدائي. وفي المرحلة الجامعية، يكاد يكون هذا الانتقاء ممارسة عالميةً، على الرغم من أن بعض المؤسسات تفتح باب القبول أو الانتساب مما يسمح للطلاب للحضور بغض النظر عن التأهيل المسبق. (أسامة إبراهيم)

 

[2] “تأثير السمكة الكبيرة في البركة الصغيرة” هو نموذج تمثيلي عرضته هربرت دبليو والاميركي جون باركر في عام 1984. يفترض مارش وباركر، أن الأفراد يقارنون ذاتهم مع أقرانهم، وأن الأفراد المتساوون في القدرة يكون لديهم قدر أعلى من مفهوم الذات عندما يكونون في مجموعة أقل قدرة مما يكونون عليه وهم في مجموعة أعلى قدرة؛ فهم يفترضون أنه من الأفضل للذات الأكاديمية أن تكون سمكة كبيرة في بركة صغيرة (للطلاب الموهوبين في المجموعة المرجعية العادية) من أن يكونون سمكة صغيرة في بركة كبيرة (الطلبة الموهوبين في مجتمع من الموهوبين). وأثبتت الأدلة البحثية تأثير السمكة الكبيرة في البركة الصغيرة أن الالتحاق بالمدارس ذات القدرات العالية له تأثير سلبي على مفهوم الذات الأكاديمية (أسامة إبراهيم).

 

عن admin

شاهد أيضاً

معايير أدڤانسيد لتقويم أداء المدارس (Cognia)

ترجمة د. أسامة محمد إبراهيم أستاذ علم النفس التربوي – جامعة سوهاج معايير أدڤانسيد لتقويم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You cannot copy content of this page